نسر قرطاج .
عدد المساهمات : 1023 نقاط : 2630 السٌّمعَة : 129 تاريخ التسجيل : 15/11/2011
| موضوع: الجلسات المشروعة في الصلاة الثلاثاء 6 ديسمبر 2011 - 16:37 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة البحث: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا مَنْ يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله تسليماً كثيراً.. وبعد : فإن الله تبارك وتعالى من فضله ونعمه السابغة أن فرض على هذه الأمة خمس صلواتٍ في اليوم والليلة صلةً بين العبد وسيده وبين المملوك ومالكه وبين الذليل والعزيز والضعيف والقوي وبين العاجز الفقير وبين ربه القدير الغني.. فكم لله تعالى مِنْ حكمة ظاهرة وخافية ومعلومة ومجهولة في هذه الفريضة العظيمة التي بُني عليها هذا الذين الحنيف فهي عاموده الذي يقومُ عليه وأول ما يحاسب العباد عنه فإن صلحت وقُبلت قبل سائر أعمالهم وإن رُدت رُدُّ عليهم سائرُ أعمالهم . قال الإمام ابن القيم ( ) رحمه الله تعالى : « قال الإمام أحمد : وقد جاء في الحديث « لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة » - وقد كان عمر بن الخطاب يكتب إلى الأفاق.. إن أهم أموركم عندي الصلاة فمن حفظها حفظ دينه ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . قال : فكل مستخفٍ بالصلاة مستهين بها ، فهو مُستخف بالإسلام مستهين به ، وإنما حظهم في الإسلام على قدر حظهم في الصلاة ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة .. ( يقول الإمام أحمد ) فاعرف نفسك يا عبد الله واحذر أن تلقى الله " غداً " ولا قدر للإسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك . وقد جاء الحديث عن النبي أنه قال : " الصلاة عمود الدين " ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم ينتفع بالطنب والأوتاد .. وكذلك الصلاة في الإسلام . وجاء الحديث أن أول ما يسئل عنه العبد يوم القيامة من عمله الصلاة ، فإن تُقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله، وإن رُدت عليه صلاته رُدَّ عليه سائر عمله . فصلاتنا آخر ديننا ، وهي أول ما نسأل عنه غداً من أعمالنا يوم القيامة ، فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام " هذا كله كلام ُ أحمد . والصلاة أول فروض الإسلام وهي آخر ما يذهبُ منه فهي أول الإسلام وآخره فإذا ذهب أوله وآخره فقد ذهب جميعه . قال الإمام أحمد : كل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه فإذا ذهبت صلاة المرء ذهب دينه " ( ) انتهى . هذا كلام الإمامين رحمهما الله تعالى في مكانة الصلاة وعظم هذه الأمانة ولو انتقلنا إلى الواقع الآن لوجدنا ما يُفتت الأكباد ويعصر القلوب عصراً أن لا نرى من يقيم لهذه الفريضة وزناً . ولا نرى من يصلي إلا النزر القليل من هذا الغثاء كغثاء السيل فهذه فريضة رب العالمين طمع عنها طُماع الدنيا وتخلى عنها من أعرض عن ذكر ربه وتخلى .. ولا حول ولا قوة إلا بالملك الأعلى .. نسأل الله الإعانة لما نحن بصدده من بحث وتفتيش عن حكم جلسات الصلاة وحكمِها لنحقق الإتباع فيها للقدوة العظمى والأسوة الحسنى نبينا محمد تسليماً كثيرا كما قال ربنا جلَّ وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ( ) وقد جعلت في هذا البحث كلُ جلسةٍ على حده ( ) لنفصل فيها أحكامها وما يتعلق بموضوعها من أدلة ووصف وبيان لمواضعها في الصلاة ومسائلها وترجيح اختلاف الأئمة فيها وأقوالهم رحمهم الله جميعاً . والله أسأل التوفيق والتسديد والإعانة إنه نعم المعين والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
الفصل الأول : 1- التــــورك أ- صفة التورك وهيئته : التورك هو جلوس له صفتان صحيحتان ( ) نذكرهما وأدلتهما كالتالي : الصفة الأولى : أ) فرش الرجل اليسرى ب ) إخراجها تحت ساق الرجل اليمنى الذي تحت الفخذ الأيمن . ج ) إلزاق المقعدة على الأرض . د ) نصب القدم اليمنى وجعل أصابعها باتجاه القبلة . دليلها : ورد في صحيح البخاري من حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاته : " وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته " وفي رواية النسائي ، قال : " كان النبي إذا كان في الركعة التي تنقضي فيها الصلاة أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركاً ثم سلم " حديث صحيح وكذلك استقبال القبلة بأطراف أصابع القدم سنة . ( ) لما روى النسائي من حديث ابن عمر قال : " إن من السنة في الصلاة : أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة ، والجلوس على اليسرى " . واعلم أنه ورد عنه في حديث صحيح أنه فرش قدمه اليمنى . ( )
الصفة الثانية : مثل الصفة الأولى إلا أنه يجعل رجله اليسرى بين ساق رجله اليمنى وبين فخذها . الدليل : حديث ابن الزبير الذي رواه مسلم رحمه الله تعالى : " كان رسول الله إذا قعد في صلاته جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى . ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه " ( ) ب) حُكمه الشرعي : التورك سنة صحيحة واردة عنه بوب البخاري بهذا الحكم باباً اسماه " سنة الجلوس في التشهد " ثم أورد فيه حديث أبي حميد الساعدي في صفة التورك. فيجب على سبيل الأولى والأحرى فعل هذه السنة وأن نعض عليها بالنواجذ "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " وأن لا يأخذ يبعضنا الحياء مجراه فيستحي من تطبيق سنة صحيحة فيها أجر عظيم . ولكن ينبغي مع ذلك أن نعرف متى نطبق هذه السنة وفي أي موضع من الصلاة وما السنن المرتبطة بها فنتعلم العلم أولاً ثم نعمل به ونطبقه ولا يأخذ بنا الحماس " عن حسن نية" فنعاتب من ترك تلك السنة ونهجره ولا نضيق بها على المصلين ونزعجهم ونكون سبباً في طرد الخشوع عنهم ، فمتى وجدنا أن الأمر متاحاً لنا والمكان واسع ممكن لتطبيق هذه السنة طبقناها ومتى وجدناه ضيقاً تركناها فلا نفعل ما لا يجوز من إيذاء المسلمين بفعل سنة . ثم إليك أخي هذه المباحث الأخر في شأن هذه السنة المباركة . ج ) موضع التورك من الصلاة : عند كلام العلماء حول التورك يوردون أن التورك له موضع واحد لكن بعضهم يجعل له موضعين وسوف نورد هذه المواضع مع قبول الصحيح ورد القول الضعيف مع مناقشة أدلة الفريقين ومن تكن السنة والقرآن عُدته فقد خاب من ردهُ :- فأما الموضع الأول : في التشهد الأخير من الصلاة ( ) وهذا مذهب الإمام أحمد والشافعي ومالك للأحاديث الصحيحة الواردة منها : 1- حديث أبي حميد الساعدي : المتقدم وفيه قال : " وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته " رواه البخاري . 2- حديث ابن الزبير : المتقدم وفيه قال : " كان إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى .. " الحديث رواه مسلم . وقد ذهب الإمام أبو حنيفة والثوري إلى أن هيئة الجلوس في التشهد الأخير هو نصبُ اليمنى وفرش اليسرى وخالفوا الجمهور واستدلوا بأحاديث منها : 1- حديث وائل بن حجر : " أنه رأى النبي يصلي فسجد ثم قعد فافترش رجله اليسرى " رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح . 2- حديث عائشة : كان يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى " رواه مسلم . 3- حديث رفاعة بن رافع : " أن النبي قال للأعرابي إذا سجدت فمكن لسجودك فإذا جلست فاجلس على رجلك اليسرى " رواه أحمد وأبو داود ولا مطعن في إسناده. ووجه الاستدلال بها : أن رواتها ذكروا هذه الصفة لجلوس التشهد ولم يقيدوه بالأول فدخل ضمن ذلك التشهد الثاني . قال المستدلون بهذه الأحاديث : " ولو كانت مختصة بالأول لذكروا هيئة التشهد الأخير ولم يهملوه لاسيما وهم بصدد بيان صلاة رسول الله وتعليمه لمن لا يحسن الصلاة فعلم بهذا أن هذه الهيئة ( الفرش والنصب ) شاملة لهما" . الرأي الراجح: هو قول الجمهور أن هيئة الجلوس المشروعة في التشهد الأخير هو التورك وأجابوا عن أدلة المخالفين بما يلي : 1- أن عدم ذكرهم لصفة التشهد الأخير ليس إهمالاً وإنما اقتصروا من ذلك على ما تدعو الحاجة إليه . 2- أن في حديث عائشة إطلاق ويقيد بأنه التشهد الأول بحديث أبي حميد الساعدي في البخاري . ( ) قول الشوكاني : لقد ناقش الشوكاني أجوبة الجمهور وقرر في الأخير رأيه فقال رحمه الله : " مشروعية التورك في التشهد الأخير آكد من مشروعية النصب والفرش وأما أنه ينفي مشروعية النصب والفرش فلا " . انتهى . فذهب رحمه الله إلى أن كلاهما مشروع غير أن التورك آكد مشروعية . كلام الإمام ابن رشد ( ) : قال في البداية : " وذهب في ذلك الطبري منهم التخيير .. وقال هذه الهيئات كلها جائزة وحسن فعلها لثبوتها عن رسول الله : وهو قول حسن فإن الأفعال المختلفة أولى أن تحمل على التخيير منها على التعارض " انتهى .
وأما الموضع الثاني : أنه في التشهد الأول أيضاً وهو قول مالك رحمه الله تعالى ولم يقل غيره به . مستدلاً بحديث عبد الله بن مسعود . دليل هذا الوضع : عن عبد الله بن مسعود : " أن النبي كان يجلس في وسط الصلاة وآخرها متوركاً " قال الهيثمي رواه أحمد ورجاله موثقون . وأما سواه من العلماء فعلى خلافه كالشافعي والإمام أحمد والثوري وأبو حنيفة مستدلين بأحاديث منها : 1- حديث أبي حميد الساعدي . 2- حيث ابن الزبير . وفيها وصفوا الافتراش في التشهد الأول وهذه أحاديث صحيحة رواها البخاري ومسلم . الرأي الراجح : هو قول جمهور العلماء لأن حديث ابن مسعود لا ندري ما حاله من الصحة وقال المباركفوري : " أنه غير واضح في الدليل على ما ذهبوا إليه " ( ) . ولا ريب أن الأحاديث الأخرى أصح وأولى بالتقديم من حديث ابن مسعود . وقال الإمام ابن القيم : " لم يذكر عنه التورك إلا في التشهد الأخير" . د) الصلاة التي يشرعُ فيها التورك : نقول : ها هنا مسألة مشهورة لا بد من إيرادها ومعرفة الدليل فيها ورأي العلمـــــــــاء الراجح من المرجوح وهي : هل التورك في التشهد الأخير في الصلاة الرباعية ( ) والثلاثية ( ) فقط أم أنه كذلك في تشهد الصلاة الثنائية ( ) كالفجر والجمعة والسنن الرواتب وغيرها . نقول في تفصيل المسألة : أن للعلماء قولان : (1) القول الأول : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى ووافقه عليه محمد بن ناصر الدين الألباني من علماء العصر والإمام ابن القيم في الزاد : " أن التورك في الصلاة التي فيها تشهدين يتورك في التشهد الثاني " أي أن المصلي لا يتورك في تشهد صلاة الفجر ولا صلاة الجمعة كذلك لأن فيها تشهد واحد فلا يتورك إلا في التشهد الأخير من الصلاة الرباعية كالظهر والعصر والعشاء أو الثلاثية كالمغرب . واستدلوا بأحاديث منها : 1- حديث أبي حميد الساعدي : فإنه ذكر التشهد الأخير فذكر فيه التورك وفي الحديث أيضاً ذكر التشهد الأول والشاهد من الحديث : " وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله ... " الحديث . فهذا دليل على أن التورك في التشهد الثاني من الصلاة وأما إذا لم يكن للصلاة إلا تشهد واحد فقط فيعمل بالأحاديث الواردة بأن السنة فيه الافتراش ونصب القدم اليمنى ومن هذه الأحاديث : 2- حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : " وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى " رواه الإمام مسلم في صحيحه . فهي لـمَّا لم تذكرْ التورك علمنا أنها تقصد التشهد الأول لأن هذه صفته فكأنها وصفت جلوسه في الثنائية . 3- حديث وائل بن حجر : " إنه رأى النبي يصلي فسجد ثم قعد فافترش رجله اليسرى ". رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح واحتجوا رحمهم الله تعالى بغير ذلك ستأتي إن شاء الله في سياق أقوال أهل العلم. القول الآخر : أن التورك في التشهد الذي يليه السلام سواءً كانت الصلاة ثنائية كالفجر ، وصلاة الجمعة ، وصلاة المسافر إذا قصر ، والسنن الراتبة فيتورك في كل تشهد يعقبه السلام من الصلاة . ذهب إلى هذا الرأي الإمام الشافعي وأصحابه ، والإمام ابن حزمٍ رحمه الله والإمام الشوكاني إلى هذا القول أيضاً . وقد استدل من ذهب إلى هذا الرأي بالأحاديث التالية : 1- حديث أبي حميدٍ الساعدي : ففي رواية أبي داود لهذا الحديث قال : " حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم آخر رجلهُ اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيسر" . والشاهد منه : عموم قوله : " حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم " أي في عقبها التسليم . استدل به الشافعي على أن تشهد الصبح ( أي صلاة الفجر ) كالتشهد الأخير من غيره .
2- الرواية الأخرى لحديث أبي حميد : والشاهد منه قوله " فإذا جلس في الركعة الأخيرة " استفاد المحتجون به عموم قوله ( الركعة الأخيرة ) . مناقشة الأدلة : لا ريب أن المناقش يحتاج إلى باع في العلم ومراجع كثيرة ولـمّا لم يوجد من ذلك شيء أحلت مناقشة أدلة الفريقين إلى أنفسهم فسأذكر أقوال أهل العلم ممن ذهب إلى الرأي الأول وفيه يناقشون أدلة أهل الرأي الثاني وكذلك أذكر أدلة وأقوال أهل العلم أصحاب الرأي الثانية واحتجاجهم ومناقشتهم للرأي الأول . أقوال أهل العلم : 1- أصحاب الرأي الأول: أ) قال الإمام أبي محمد عبد الله بن قدامة المتوفي سنة عشرين وستمائة للهجرة في كتابه ( المغني) : ( مسألة – قال ولا يتوركُ إلا في صلاة فيها تشهدان ، في الأخير منهما) وجملته ، إن جميع جلسات الصلاة لا يتورك فيها إلا في تشهدٍ ثانِ ، وقال الشافعي رحمه الله : يُسن التورك في كل تشهد يسلم فيه ، وإن لم يكن ثانياً ، كتشهد الصبح والجمعة وصلاة التطوع لأنه تشهد يسنُ تطويله ، فسُنَّ فيه التورك كالثاني . ولنا حديث وائل بن حجر : " أن النبي لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب رجله اليمنى " ولم يفرق بين ما يسلم فيه وما لم يسلم فيه ، ( وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى ) رواه مسلم ( من حديث عائشة ) ، وهذا يقضيان على كل تشهد بالافتراش إلا ما خرج منه ، لحديث أبي حميد الساعدي في التشهد الثاني فيبقى فيما عداه على قضية الأصل ، ولأن هذا التشهد ليس بثان ، فلا يتورك فيه كالأولى ، وهذا لأن التشهد الثاني إنما يتورك فيه للفرق بين التشهدين ، وما ليس فيه إلا تشهد واحد لا اشتباه فيه فلا حاجة إلى الفرق وما ذكروه من المعنى إن صح فيضم إليه هذا المعنى الذي ذكرناه ، ونعلل الحكم بهما والحكم إذا علل بعلتين لم يجز تعديه لتعدي أحدهما دون الآخر ، والله أعلم " .
ب- قال الإمام ابن قيم الجوزية في " زاد المعاد في هدي خير العباد " : " ولم يذكر عنه هذا التورك إلا في التشهد الأخير الذي يليه السلام . قال الإمام أحمد ومن وافقه هذا مخصوص بالصلاة التي فيها تشهدان ، وهذا التورك فيها جُعل فرقاً جُعل فرقاً بين الجلوس في التشهد الأول الذي يسن تخفيفه ، فيكون الجالس فيه متهيئاً للقيام ، وبين الجلوس الذي الذي يكون الجالس فيه مطمئناً في الجلوس الثاني. وأيضاً فتكون هيئة الجلوسين فارقة بين التشهدين ، مذكرة للمصلي حاله فيهما . وأيضاً فإن أبا حميد إنما ذكر هذه الصفة عنه في الجلسة التي في التشهد الثاني فإنه ذكر صفة جلوسه في التشهد الأول وأنه كان يجلس مفترشاً ، ثم قال : " وإذا جلس في الركعة الأخيرة " ، وفي لفظ " فإذا جلس في الركعة الرابعة " . وأما قوله في بعض ألفاظه : ( حتى إذا كانت الجلسة التي فيها التسليمُ ، أخرج رجله اليسرى ، وجلس على شقه متوركاً ) ، فهذا قد يحتج به من يرى التورك يشرع في كل تشهد يليه السلام ، فيتورك في الثانية ، وهو قول الشافعي رحمه الله ، وليس بصريح في الدلالة ، بل سياق الحديث يدل على أن تلك إنما كان في التشهد الذي يليه السلام من الرباعية والثلاثية ، فإنه ذكر صفة جلوسه في التشهد الأول وقيامه منه ، ثم قال : "حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم ، جلس متوركاً " فهذا السياق ظاهر في اختصاص هذا الجلوس بالتشهد الثاني " .
2- أقوال أصحاب الرأي الثاني: لم أجد منهم من تكلم طويلاً حول ذلك لكن تكلم بعضهم بكلام قليل فيه فائدة إن شاء الله . أ) قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في نيل الأوطار : " والتفصيل الذي ذهب إليه أحمد رحمه الله يرده قول أبي حميد في حديثه .. " فإذا جلس في الركعة الأخيرة " وفي وراية لأبي داود " حتى إذا كانت السجدة فيها التسليم" . وقد اعتذر ابن القيم عن ذلك بما لا طائل تحته. أهـ . ب) قـال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي في عون المعبود في شرح حديث أبي حميد ( ) : " واستدل به الشافعي أيضاً على أن تشهد الصبح كالتشهد الأخير من غيره لعموم قوله " حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم " أهـ .
ج ) الحكمة من التورك : تكلم العلماء رحمهم الله على حكمة التورك في التشهد الثاني فمنهم الإمام ابن حجر العسقلاني في الفتح فقال رحمه الله : " وقد قيل في حكمة المغايرة بينهما ( أي الجلوس في التشهد الأول والجلوس في التشهد الثاني ) ، أنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات . ولأن الأول تعقبه حركة بخلاف الثاني . ولأن المسبوق إذا رآه علم قدر ما سبق به " . وتكلم عنها عبد الرحمن البنا في الفتح الرباني ( ) فذكر الحكم الكثيرة لها ولو أننا ذهبنا نستقصي تلك الحكم لأعيانا البحث عنها . فلا داعي لذلك فالله تعالى أحكم الحاكمين ففي كل شرع يشرعه الله لنا الخير والحكم العظيمة التي ترجع علينا بالنور والهداية . وكثير ما يسأل الناس عن الحكمة من كذا ولماذا شرع كذا فيذكر العلماء أنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل عن الحكمة بل عن الحكم فالعمل لا للحكمة وإنما للأمر به من قبل الله العلي الكبير . ولكن معرفة الحكمة والتأمل في ذلك تزيد من ثقة الإنسان بربه المدبر الحكيم ويزداد إيماناً مع إيمانه باسمه الحكيم . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
و- مسائل عن التورك : 1- هل يشرع للمرأة التورك ؟ نعم تتورك المرأة في صلاتها قال شيخ المحدثين الإمام محمد بن ناصر الدين الألباني في صفة صلاة النبي : " كل ما تقدم من صفة صلاته يستوى فيه الرجال والنساء ، ولم يرد في السنة ما يقتضي استثناء النساء من بعض ذلك لعموم قوله : " صلوا كما رأيتموني أصلي "، وروى البخاري في " التاريخ الصغير" بسند صحيح عن أم الدرداء : " أنها كانت تجلس في صلاتها جلسة الرجل ، وكانت فقيهة " ( ) أ هـ . 2- هل يتورك المسبوق مع الإمام في تشهده الثاني ؟ لا يتورك المسبوق إذا فاته من الصلاة ركعة أو أكثر إلا بعد أن يتم صلاته ومن ثم إذا جلس للتشهد الثاني تورك إذا كانت الصلاة المسبوق بها رباعية أو ثلاثية . ز- خلاصـــة صفة التورك : 1- الأحكام : * التورك سنة . * يشرع في الصلاة الرباعية والثلاثية دون الثنائية. * موضعه من الصلاة التشهد الثاني دون الأول. * المرأة تتورك كالرجل . 2- غير الأحكام : * التورك له صفتان صحيحتان . * تكلمنا عن حكمة مشروعية التورك .
الفصل الثاني : 2- الافتراش أ- صفة الافتراش: هو أن يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس بوركه عليها ، وينصب رجله اليمنى ، ويجعل أطراف أصابع قدم رجله اليمنى إلى القبلة . ب- الأدلة على الافتراش : 1- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي : " كان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى " رواه البخاري ومسلم . 2- حديث المسيء صلاته : " فقال له : إذا سجدت فمكن لسجودك ، فإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى " رواه البخاري والبيهقي . 3- أبو حميد الساعدي ففي رواية أحمد وأبو داود بسند جيد " يفرش رجله اليسرى فيقعد عليها مطمئناً " . 4- عن رفاعة بن رافع أن النبي قال للأعرابي : إذا سجدت فمكن لسجودك فإذا جلست فاجلس على رجلك اليسرى " رواه أحمد . قال الشوكاني ولا مطعن في إسناده. 5- عن ابن عمر قال : " من سنة الصلاة : أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعه القبلة ". وروى نافع صفة صلاة ابن عمر فقال : " كان ابن عمر إذا صلى استقبل القبلة بكل شيء حتى بنعليه " . ج) حكمه الشرعي : لا ريب أن حكم الافتراش أنه سنة ثابتة عن رسول الله بالأحاديث الصحيحة المروية في صحيح البخاري ومسلم . ولا شيء على من تركها إلا أنه لا ينبغي لمن يرجو ثواب الله واليوم الآخر لقوله تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً الأحزاب ، الآية (21) . ولنكن مثل سلفنا الصالح رضوان الله عليهم كانوا يطبقون السنة ويعلمون صبيانهم تطبيقها فقط روى الأثرم بإسناده عن عبد الرحمن بن زيد قال : " كنا نُعلم إذا جلسنا في الصلاة أن يفترش الرجل منا قدمه اليسرى وينصب قدمه اليمنى على صدر قدمه ، فإن كانت إبهام أحدنا لتنثني فيدخل يده حتى يُعدلها " . فعلينا بسننه فلنطبقها حشرنا الله من زمرته . ومن الملاحظ على كثير من المصلين أنهم يفترشون أقدامهم اليسرى ولكن لا ينصبون ( ) أقدامهم اليمنى وأن نصبوها لم يوجهوا أطراف أصابعهم إلى القبلة فلماذا هذا التهاون ولرب قائل يقول : هناك التهاون في الواجبات كالصلاة والصوم أعظم من التهاون في السنن ولقد صدق .. ففي عصرنا هذا لقد ندر من يصلي وندر من يزكي وندر من يصوم أصبحت الفرائض متروكة بعد أن تركت السنن ولا حول ولا قوة إلا بالله وهذه بوادر الخير ولله الحمد قد ظهرت وعاد المسلمون إن شاء الله تعالى إلى دينهم فليتمسكوا بسنة أبي القاسم نبينا : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " . وعلينا أن نعرف عن الافتراش بعض أحكامه لنكون على بصيرة حال عملنا بهذه السنة فتعرف مواضعه في الصلاة وصفته ومسائله والله الموفق والمعين .
د) مواضعه في الصلاة : 1- الجلسة بين السجدتين : للأحاديث الصحيحة الواردة كحديث أبي حميد الساعدي وعائشة ووائل بن حجر ورفاعه بن رافع وابن عمر جميعاً وقد تقدم ذكرها . والعلماء على ذلك سوى الإمام مالك رحمه الله فيرى التورك في جميع الجلسات ( ) المشروعة في الصلاة مستدلاً بحديث ابن عمر الذي رواه في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدمه ثم قال : أراني هذا عبد الله ابن عبد الله بن عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك . وأجاب العلماء : أنه أيضاً روى في الموطأ عن عبد الله بن دينار التصريح بأن جلوس ابن عمر المذكور كان في التشهد الأخير- وأيضاً وردت الأحاديث الصحيحة أن السنة الافتراش لا التورك كحديث عائشة في مسلم والبخاري ووائل بن حجر ورفاعة بن رافع وغيرها .. * تنبيه : اعلم أن الافتراش ليس سنة دائمة في هذا الموضع ( بين السجدتين ) بل كان النبي أحياناً يجلس على عقبيه بين السجدتين كما روى هذا ابن عباس في مسلم وسيأتي بيان ذلك في الفصل الرابع من بحث الإقعاء – والله أعلم . 2- التشهد الأول : وقد سبق إثبات الافتراش فيه وسوق الأحاديث الدالة على ذلك والخلاف والترجيح في الفصل الأول في الموضع الثاني للتورك فراجعه وإليك النقاط الهامة في ذلك : • الشافعي وأحمد وأبو حنيفة والثوري يرون الافتراش في التشهد الأول . • استدلوا بأحاديث صحيحة مثل حديث أبي حميد الساعدي في البخاري . • خالف مالك مستدلاً بأحاديث منها حديث ابن مسعود في مسند الإمام أحمد ورجاله موثقون . • ترجيح رأي الجمهور ومناقشة رأي مالك وأدلته . فالمشروع إذن في التشهد الأول من الصلاة هو الافتراش. 3- التشهد الثاني: تقدم أيضاً في الفصل الأول في الموضع الأول للتورك بيان الخلاف في هل يشرع الافتراش أم التورك في التشهد الثاني ؟ وإليك الجواب ملخصاً من ذلك الكلام السابق :- • رأي الجمهور ( أحمد والشافعي ومالك وأصحابهم ) على مشروعية التورك في التشهد الثاني من كل صلاة . • أدلتهم حديث أبي حميد الساعدي في البخاري وحديث ابن الزبير عبد الله في مسلم وغيرهما . • خالفهم أصحاب الرأي ( أبو حنيفة والثوري ) وقالوا بمشروعية الافتراش في التشهد الثاني للصلاة. • أدلتهم حديث وائل بن حجر وعائشة في صحيح مسلم ورفاعه بن رافع وهي أحاديث صحيحة . • ترجيح مذهب الجمهور ومناقشة أدلة الفريق الثاني . فلا يشرع إذن الافتراش في هذا الموضع بل التورك هو المشروع . 4- التشهد في الصلاة الثنائية : فيشرع فيه الافتراش على المذهب الراجح خلافاً للشافعي لأنه يرى التورك . تقدم الكلام حول الصلاة التي يشرع فيها التورك وأنها الثلاثية والرباعية يشرع في تشهدها الثاني التورك ولا يشرع في التشهد في الصلاة الثنائية . وخلاصة المسألة ما يلي :
• رأي الشافعي والإمام مالك رحمهما الله ووافقهما جمع من العلماء أن التورك في تشهد الصلاة الثنائية . • رأي الإمام أحمد وأبو حنيفة وغيرهما أن المشروع هو الافتراش ولا يشرع التورك في هذا الموضع . • أدلة الفريق الأول عموم قول أبي حميد الساعدي ( حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم .. ) والرواية الأخرى كذلك . • أدلة الفريق الآخر حديث أبي حميد الساعدي وحديث عائشة . • ترجيح رأي الفريق الثاني ومناقشة أهل العلم لرأي الفريق الأول . إذن يشرع في تشهد الثنائية الافتراش دون التورك . 5- جميع جلسات الصلاة : قال بذلك الإمام أبو حنيفة ( ) رحمه الله تعالى متمسكاً بحديث وائل بن حجر وفيه " أنه كان إذا قعد في الصلاة نصب اليمنى وقعد على اليسرى " . لكن الراجح مذهب سواه ممن قال أنه لا يشرع في جميع جلسات الصلاة الافتراش بل بعضها ولأن حديث أبي حميد الساعدي وصف في كلامه التورك في الجلسة الأخيرة للصلاة وهذا يبطل مذهبه في الافتراش . إذن الافتراش لا يشرع في جميع جلسات الصلاة بل في بعضها خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله تعالى . هـ) مسائل في الافتراش ؟ 1- هل يشرع لمن صلى قاعداً الافتراش ؟ عن عمران بن حصين قال : " سألت رسول الله عن صلاة الرجل قاعداً فقال : إن صلى قائماً فهو أفضل ، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد " . رواه البخاري . قال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري : لم يبين كيفية القعود فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعاً ، وقيل يجلس مفترشاً وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني وصححه الرافعي ومن تبعه ، وقيل متوركاً – وفي كل منها أحاديث" أ هـ . 2- هل يشرع الافتراش في جلسة الاستراحة :- سيأتي الكلام على ذلك في الفصل الثالث من البحث في صفة الجلسة المشروعة للاستراحة. والله الموفق ؛؛ الفصل الثالث : 3- جلسة الاستراحة أ) تعريف جلسة الاستراحة: هي جلسة خفيفة تكون بعد الفراغ من السجدة الثانية من الركعة الأولى قبل النهوض إلى الركعة الثانية ، وبعد الفراغ من السجدة الثانية من الركعة الثالثة قبل النهوض إلى الركعة الرابعة ، وليس لها ذكر مخصوص . ب) أدلة جلسة الاستراحة : * حديث مالك بن الحويرث : " أنه رأى النبي يصلي ، فإذا كان في وترٍ من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً " . متفق عليه . * حديث أبي حميد الساعدي : فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود قال : " ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كل عضوٍ في موضعه ثم نهض" حديث صحيح ورواه الترمذي أيضاً . ج) حكمها : قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " اختلف الفقهاء فيها هل هي من سنن الصلاة ، فيستحب لكل أحد أن يفعلها أو ليست من السنن ، وإنما يفعلها من احتاج إليها " أهـ من الزاد . قوله ( اختلف الفقهاء ) قلت على أقوال:- • منهم من قال باستحبابها ومشروعيتها : كالشافعي وأحمد ودليلهم :حديث مالك المتقدم . • ومنهم من قال لا تشرع : كمالك واحتجوا بحديث أبي حميد الساعدي : " أنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية قام ولم يتورك " رواه أبو داود . • ومنهم من قال : إن كان المصلي ضعيفاً جلس للاستراحة لحاجته إلى الجلوس ، وإن كان قوياً لم يجلس لغناه عنه وحملوا جلوسه على أنه كان في آخر عمره عند كبره وضعفه . واستدلوا بحديث : ( لا تبادروني بالقيام والقعود فإني قد بدنت ) . حديث صحيح رواه أبو داود وابن ماجه . وسوف نذكر حجج كل فريق ( ) ( إن شاء الله تعالى ) والله المعين . د) مشروعية جلسة الاستراحة من عدمها :- 1- حُجة من قال بعدم مشروعيتها : من قال بعدم مشروعيتها استدل أيضاً بحديث وائل بن حجر " كان إذا رفع رأسه من السجدتين استوى قائماً " وهو ضعيف . قالوا : وسائر من وصف صلاته لم يذكر هذه الجلسة وإنما ذكرت في حديث أبي حميد، ومالك بن الحويرث . ولو كان هديه فعلها دائماً لذكرها كل من وصف صلاته . وأيضاً : يحتمل أن ما فعله النبي في حديث مالك لعلة كانت به فقعد من أجلها ولو كانت مشروعة لشرع لها ذكر خاص . 2- مناقشة احتجاجهم على عدم المشروعية : حديث وائل لا ينافي كونها سنة بل يحمل على نفي الوجوب فقط وكذلك يحمل عليه حديث أبي حميد النافي له . وحجتهم الثانية : يرد عليها أن السنن المتفق عليها كالمجافاة وغيره لم يستوعبها كل من وصف صلاته إنما أخذت من مجموعهم . وقولهم يحتمل أن فعله لها لعله به يرد بأن الأصل عدم العلة ، ومالك راوي هذه الجلسة هو راوي " صلوا كما رأيتموني أصلي " فحكايته لصفات صلاته داخلة تحت هذا الأمر . ولم يشرع لها ذكر مخصوص فلأنها جلسة خفيفة جداً استغنى فيها بالتكبير المشروع للقيام . وأما ترك بعض الصحابة لها ( كما روى ابن المنذر عن النعمان بن أبي عياش قال : أدركت غير واحد من أصحاب النبي فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة وفي الثالثة قام كما هو ولم يجلس ) . فلا يقدح في عدم سنيتها لأن ترك ما لا يجب جائز . 3) من قال تشرع لمن احتاجها : احتج بأنه إنما فعلها في آخر عمره عند كبره وضعفه وتمسك بحديث (لا تبادروني بالقيام والقعود فإني قد بدنت ) فدل على أنه كان فعلها لسبب فلا تشرع إلا في حق من اتفق له نحو ذلك . وقال الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه الصلاة : " ولا ريب أنه فعلها ولكن هل فعلها على أنها من سنن الصلاة وهيآتها كالتجافي وغيره أو لحاجته إليها لما أسن وأخذه اللحم وهذا الثاني أظهر لوجهين ( أحدهما) إن فيه جمعاً بينه وبين حديث وائل بن حجر وأبي هريرة أنه كان ينهض على صدور قدميه . ( ) ( الثاني ) أن الصحابة الذين كانوا أحرص الناس على مشاهدة أفعاله وهيأت صلاته كانوا ينهضون على صدور أقدامهم . فكان عبد الله بن مسعود يقوم على صدور قدميه في الصلاة ولا يجلس رواه البيهقي عنه ورواه عن ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبي سعيد الخدري من رواية عطيه العوفي عنهم وهو صحيح عن ابن مسعود ولم يكن يرفع يديه في هذا القيام " .
هـ- صفة الجلسة للاستراحة : روى البخاري وأبو داود – رحمهما الله تعالى – " يستوي قاعداً [ على رجله اليسرى معتدلاً حتى يرجع كل عظم إلى موضعه] " ( ) . قال ابن قدامه في المغني: " فإذا قلنا: يجلس فيحتمل أنه يجلس مفترشاً على صفة الجلوس بين السجدتين وهو مذهب الشافعي . لقول أبي حميد في صفة صلاة النبي : " ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كل عضواً في موضعه ثم نهض " وهذا صريح في كيفية جلسة الاستراحة فيتعين المصير إليه " أ. هـ . و – كيفية النهوض منها : ورد في حديث مالك بن الحويرث في صحيح البخاري ( ) " وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام " . فالاعتماد على الأرض باليدين هو السنة الصحيحة الواردة عنه . وهناك قول آخر: أنه يقوم على صدور قدميه – ذكرها ابن قدامه في المغني واحتج لها بما روى أبو هريرة ( بسند ضعيف ) ( أنه كان ينهض على صدور قدميه ) . وبما روى وائل بن حجر ( والحديث ضعيف ) قال : ( رأيت رسول الله ... وإذا نهـــض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه ) وقد توسع ابن قدامة في كيفية النهوض. ( ) ز-التكبير عند الجلوس لها : قال ابن قدامة في المغني : "يستحب أن يكون ابتداء تكبيرة مع ابتداء رفع رأسه من السجود ، وانتهاؤه عند اعتداله قائماً .... إلا من جلس جلسة الاستراحة ، فإنه ينتهي تكبيره عند انتهاء جلوسه ، ثم ينهض للقيام بغير تكبير . وقال أبو الخطاب: ينهض مكبراً وليس بصحيح ، فإنه يوالي بين تكبيرتين في ركنٍ واحدٍ لم يرد الشرعُ بجمعهما فيه " أ.هـ والله أعلم . الفصل الرابع : 4- الإقعاء أ- مقدمــــة: اختلف العلماء في الإقعاء في مشروعيته وفي تعريفه وصفته على أقوال كثيرة جداً تجد هذا الخلاف مبثوثاً في كتب أهل العلم فمنهم من اجتهد وجمع بين الأحاديث المتعارضة وبين ما يشرع ومحله وأدلته وما لا يشرع ومحله وأدلته فإليك الآن اختصار ذلك وزبدة كلامهم رحمهم الله تعالى . ب- أنواع الإقعاء وصفته : قال النووي في شرح مسلم : ( اختلف العلماء .... وفي تفسيره اختلافاً كثيراً.. والصواب الذي لا معدل عنه . إن الإقعاء نوعان ( ) :- 1- أحدهما : أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب ( هكذا فسره أبو عبيده معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة ) . 2- النوع الثاني : أن يجعل إليتيه على عقبيه بين السجدتين ( ) " أ. هـ . ج- أدلة استحبابه: 1- حديث ابن عباس : عن طاوس بن كيسان قال : " قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين ؟ فقال : هي السنة ، فقلنا له : أما تراه جفاء بالرجل ؟ فقال ابن عباس : بل هي سنة نبيكم " أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود . 2- حديث ابن عمر : أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ، ويقول : إنه من السنة . 3- حديث طاووس : " قال رأيت العبادله ( يعني عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وابن الزبير ) يقعون " . رواهما البيهقي وقال ابن حجر صحيحة الإسناد . د- النهي عن الإقعاء : 1- حديث أبي هريرة : " ونهاني خليلي عن إقعاء كإقعاء الكلب " رواه أحمد والبيهقي قال في مجمع الزوائد وإسناد أحمد حسن . 2- حديث عائشة رضي الله عنها : " كان ينهى عن عقبة كعقبة الشيطان " مسلم هـ) كيفية الجمع بين أحاديث النهي والسنيه : تكلم أكثر أهل العلم عن هذا وممن تكلم عنه الشوكاني في النيل فقال : " وقد اختلف أهل العلم في كيفية الجمع بين ... الأحاديث الواردة بالنهي .. وما روي عن ابن عباس ... وعن ابن عمر .. وعن طاوس ( الأحاديث المتقدمة في الاستحباب) . 1- فقال الخطابي والماوردي : إن الإقعاء منسوخ وأنكر القول بالنسخ ابن الصلاح والنووي . 2- وقال البيهقي والقاضي عياض وابن الصلاح والنووي وجماعة من المحققين : أنه يجمع بينهما بأن الإقعاء الذي ورد النهي عنه هو الذي يكون كأقعاء الكلب على ما تقدم من تفسير أئمة اللغة . والإقعاء الذي صرح به ابن عباس ، وغيره أنه من السنة هو وضع الإليتين على العقبين بين السجدتين والركبتان على الأرض " ثم رجح القول الثاني في الجمع وقال : أن الأحاديث تدل على ذلك كحديث إقعاء العبادله على العقبين وأطراف الأصابع وورد عن ابن عباس أيضاً أنه قال : من السنة أن تمس عقبيك إليتيك . وأبطل القول بالنسخ وقال أنه غفلة .
و- تنبيهات : * الإقعاء المسنون يسن فعله بين السجدتين فقط لا كما يفعله بعض أهل البلدان المجاورة من الإقعاء في كل جلسات الصلاة فيقعون بين السجدتين وفي التشهد الأول والثاني و ... و .. الخ . * رد الألباني في صفة الصلاة على كلام ابن القيم حيث يقول بعد أن ذكر الافتراش بين السجدتين : ( ولم يحفظ عنه في هذا الموضع جلسة غير هذه ) انظر ذلك في كتابه السابق ، ص 34 . * الإقعاء المنهي عنه قال أحد العلماء في حكمه ( مكروه باتفاق العلماء ) والله أعلم. وصلى الله على نبيه وسلم تسليماً كثيراً . خاتمة البحث
إليك أخي تلخيص ما تقدم من البحث باختصار :- • التورك : سنة ومحله التشهد الأخير من الصلاة الرباعية أو الثلاثية فقط . • الافتراش : سنة ومحله الجلسة بين السجدتين والتشهد الأول وتشهد الصلاة الثنائية وكذلك في جلسة الاستراحة . • جلسة الاستراحة: قيل هي سنة وقيل سنة لمن احتاج إليها . ويفترش فيها وينهض منها معتمداً على يديه ولا يكبر إذا قام منها . • الاقعاء : المسنون أن يجعل إليتيه على عقبيه بين السجدتين لحديث ابن عباس في مسلم ( بل هي سنة نبيكم ) . وأخيراً : أحمد الله تعالى ، واستغفره عما في هذا البحث من خطأ ، ولا يخلوا كتاب من خطأ إلا كتاب الله تعالى كما قال الشافعي ( أبى الله إلا أن يتم كتابه ) وقال تعالى: ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) . ونسأل الله تعالى أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم وأن يجعله ابتغاءً لثوابه الجزيل وأعاننا الله تعالى على تطبيق ما كتبناه من سنن الصلاة ورد الله إليها المسلمين ووفق المصلين للقيام بها . ( وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ) . فهـــــــارس المواضيع الموضـــــــــــــــــــوع الصفحة مقدمة البحث 1 الفصل الأول 3 1- التورك : أ- صفة التورك وهيئته 3 ب- حكمه الشرعي 4 ج – موضع التورك من الصلاة 4 د- الصلاة التي يشرع فيها التورك 7 هـ - الحكمة من التورك 11 و- مسائل عن التورك 12 ز- خلاصة صفة التورك 12 الفصل الثاني : 13 2- الافتراش : أ- صفة الافتراش 13 ب- الأدلة على الافتراش 13 ج- حكمه الشرعي 14 د- مواضعه من الصلاة 15 هـ - مسائل في الافتراش 18 الفصل الثالث : 19 3- جلسة الاستراحة : أ- تعريف جلسة الاستراحة 19 ب- أدلتها 19 ج- حكمها 19 د- مشروعية جلسة الاستراحة من عدمها 20 1/ حجة من قال بعدم مشروعيتها 20 2/ مناقشة احتجاجهم على عدم المشروعية 20 3/ من قال تشرع لمن احتاجها 21 هـ - صفة الجلسة للاستراحة . 22 و- كيفية النهوض منها . 22 ز- التكبير عند الجلوس لها . 22 الفصل الرابع : 23 4- الإقعاء : أ- المقدمة 23 ب / أنواع الإقعاء وصفته 23 ج – أدلة استحبابه 23 د – أدلة النهي عنه 24 هـ - كيفية الجمع بين أحاديث النهي والسنية 24 و – تنبيهات 25 خاتمة البحث 26 المراجع 29 المراجـــــــــع الكتاب الطبعة المؤلف 1- فتح الباري ( الجزء الثاني ) تحقيق العلامة ابن باز الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني 733هـ -852هـ 2- شرح مسلم ( الجزء 5-6) دار الكتب العلمية 1401هـ الإمام محيي الدين النووي 3- المغني ( الجزء الأول ) مطبعة الإمام بمصر الطبعة الثالثة أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المتوفي سنة 620هـ رحمه الله 4- نيل الأوطار ( الجزء 1-2) مطبعة الحلبي الطبعة الأخيرة الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى 5- عون المعبود ( الجزء الثالث ) الطبعة الثانية 1388هـ العلامة أبي الطيب شمس الحق العظيم الآبادي 6- المحلى ( الجزء 3-4) مكتبة دار التراث تحقيق : أحمد شاكر الإمام العلامة أبي محمد علي بن حزم المتوفي سنة 456هـ رحمه الله 7- بداية المجتهد ( 1-2) دار المعرفة الطبعة السادسة 1403هـ محمد بن أحمد بن رشد القرطبي 520هـ - 595هـ 8- زاد المعاد ( الجزء 1) مؤسسة الرسالة ومكتبة المنار تحقيق : شعيب عبد القادر الأرنؤوط لابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى (691-751هـ) 9- صفة صلاة النبي المكتب الإسلامي الطبعة الحادية عشر 1403هـ الإمام محمد بن ناصر الدين 10- فقه السنة ( الجزء الأول ) دار الكتاب العربي الطبعة السابعة ، 1405هـ السيد سابق 11- الصلاة مجموعة الحديث المطبوعة سنة 1403هـ الإمام ابن قيم الجوزية | |
|