*وقوع البعث مِن القبور قد دلَّ عليه الكتاب والسنة، والعقل، والفطرة السليمة؛ أخبرت عنه جميعُ الأنبياء أمَمَها، وطالبت المنكرين بالإيمان به، ولما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وكان قد بُعث هو والساعة كهاتين - بيَّن تفصيل الآخرة تفصيلاً لا يوجد في شيء من كتب الأنبياء قبله.
والقيامة الكبرى معروفة عند جميع الأنبياء،ردا على من زعم كذبا ان القيامة هى محاسبة كل انسان بمفرده بمجرد موته ، وردا على من زعم ان القيامة للروح فقط دون الجسد . قال تعالى:
( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود .ومانؤخره الا لأجل معدود).
وقد أخبر الله من حين أهبَط آدم بالقيامة، فقال تعالى: ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 36]، وقال: ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾
ولما قال إبليس
رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون)َ قال الله
َ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴾
وقال نوحٌ لقومه: ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴾
وقال إبراهيم: ﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾.
وقال الله لموسى: ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ).
وقد أخبَر الله أن الكفار إذا أُدخِلوا النار يُقرُّون أن رسلهم أنذرتْهم هذا اليوم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾
وأخبَر تعالى أن الموتى يقومون من قبورهم إذا نفخ في الصور النفخة الثانية: ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾ ، وقال تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ﴾.
وقال عز وجل:﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ * إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
يقول مخبِرًا عن المشركين: إنهم حلفوا ﴿ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾؛ أي: اجتهَدوا في الحلِف، وغلَّظوا الأيمان على أنه ﴿ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ﴾؛ أي: استبعَدوا ذلك، فكذَّبوا الرُّسل في إخبارهم لهم بذلك، وحلفوا على نقيضه، فقال تعالى مكذِّبًا لهم وردًّا عليهم: ﴿ بَلَى ﴾؛ أي: بلى سيكون ذلك، ﴿ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ﴾؛ أي: لا بد منه، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾؛ أي: فلجهلهم يخالفون الرُّسل ويقَعون في الكفر.
ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد، وقيام الأجساد يوم التناد، فقال: ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ﴾؛ أي: للناس ﴿ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾؛ أي: مِن كل شيء، و﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [النجم: 311]، ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ﴾؛ أي: في أيمانِهم وأقسامهم: لا يبعث اللهُ من يموت؛ ولهذا يُدَعُّون يوم القيامة إلى نارِ جهنمَ دعًّا، وتقول لهم الزَّبانية: ﴿ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الطور: 14 - 166].
ثم أخبَر تعالى عن قدرته على ما يشاء، وأنه لا يُعجِزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كُنْ، فيكون، والمعاد من ذلك إذا أراد كونه، فإنما يأمر به مرة واحدة، فيكون كما يشاء؛ كما قال: ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾،
وقال: ﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾؛ أي: أن يأمرَ به دفعةً واحدة، فإذا هو كائن.
أي: إنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيدٍ فيما يأمر به؛ فإنه تعالى لا يُمانَع ولا يخالَف؛ لأنه هو الواحد القهار العظيم، الذي قهر سلطانُه وجبروته وعزته كلَّ شيء؛ فلا إله إلا هو، ولا ربَّ سواه.
وقال ابن أبي حاتم من حديث أبى هريرة يقول: قال الله تعالى: (سبني ابنُ آدم ولم يكن ينبغي له أن يسُبَّني، وكذَّبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، فأما تكذيبه إياي، فقال: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ﴾، قال: وقلت: ﴿ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾، وأما سبُّه إياي فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ﴾ ، وقلت: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ ).
وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، وليس من الإنسان شيء إلا يَبْلى، إلا عُظَيمٌ واحد، وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، منه يركب الخَلْق يوم القيامة)،
وعجب الذنب هو عظم يكون في أسفل الصُّلب.
وقد جاء في الحديث أنه مِثل حبة الخردل، منه ينبت جسمُ الإنسان.