منتديات نكهه تونسيه
عزيزي الزائر/ عزيزتي الزائرة
يرجى التكرم بتسجيل الدخول إذا كنت عضوا معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضوا وترغب في الإنضمام لأسرة المنتدى

يشرفنا إنضمامك إلينا

إدارة المنتدى
منتديات نكهه تونسيه
عزيزي الزائر/ عزيزتي الزائرة
يرجى التكرم بتسجيل الدخول إذا كنت عضوا معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضوا وترغب في الإنضمام لأسرة المنتدى

يشرفنا إنضمامك إلينا

إدارة المنتدى
منتديات نكهه تونسيه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


ترفيهي _ ثفافي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورمركز  رفع الصورالتسجيلدخول
ضابط البدعة وما تدخله 902239674

 

 ضابط البدعة وما تدخله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نسر قرطاج
.
.
نسر قرطاج


عدد المساهمات : 1023
نقاط : 2630
السٌّمعَة : 129 تاريخ التسجيل : 15/11/2011

ضابط البدعة وما تدخله Empty
مُساهمةموضوع: ضابط البدعة وما تدخله   ضابط البدعة وما تدخله I_icon_minitimeالثلاثاء 6 ديسمبر 2011 - 16:48

ضابط البدعة وما تدخله

سليمان بن عبدالله الماجد


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
ففي ملتقى العلماء والدعاة الذي عقد في 16 / 4 / 1428هـ، قدم فضيلة الشيخ / سليمان الماجد، بحثاً تأصيلياً عن ( قواعد التعامل مع المخالف) وناقشه المشايخ وأبدوا إضافاتهم واقتراحاتهم حوله، على أن يخرج البحث بصورته المتكاملة بإذن الله، وينشر في موقع المسلم.
وبين يدي خروج هذا البحث كتب الشيخ سليمان بحثاً عن البدعة، كمقدمة لبحث التعامل مع المخالف، لأن تحديد المخالف ينبني على ضبط البدعة، ومن المبتدع، وما يترتب على ذلك من مصطلحات شرعية.
ويسر موقع المسلم أن ينشر هذا البحث لما فيه من العمق والتوازن في النتائج، ولما لكاتبه من مكانة علمية وتميز في التأصيل، بورك فيه وفي علمه.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وجعلنا متبعين لا مبتدعين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المشرف العام على الموقع
أ.د. ناصر بن سليمان العمر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد..
فلم يتنازع المسلمون قديماً ولا حديثاً في كون البدعة في الدين محرمة مذمومة، وإنما وقع النزاع في الأعمال المعينة: هل تُعتبر بدعة، أو أنها صحيحة مشروعة، ومنشأُ هذا النزاع عدمُ اعتبار القواعد والضوابط.
وإذا ضاعت الأصول وقع الاضطراب في الحكم على القضايا المعينة؛ فترى الناس يفرقون بين المتماثلات، ويجمعون بين المتناقضات، وتصير القاعدة التي لا تنخرم ـ عند بعضهم ـ هي تحكيم العادات والمألوفات، وإذا بلغ الحال إلى ذلك فإن كثيراً من تنازع الناس إنما هو بين مألوف ومألوف؛ لا بين اجتهادين معتبرين.
وحينئذ يضيع التحقيق العلمي بين أقدام وجلبة المتعصبين ممن يُحكِّم مألوفه وبيئته.
فإن قال أحد سواه ببدعية أمر أو مشروعيته: رأى أنه لم يقل بذلك إلا تأثراً ببيئته ومحيطه، أو مجاملة لبيئة أو محيط آخرين؛ فيكون هذا أشبه بتنازع السوقة والدهماء؛ لا أهل الفقه والعلماء.
وبسبب اضطراب الناس فيما تدخله البدعة وما لا تدخله، أو ما هو محل جريانها ؟ أخطأ بسبب ذلك فريقان:
الأول: من أجرى البدعة في العاديات، ومن مفاسد هذا نوعٌ من البدعة خفي، وهو: اعتبار ما ليس عبادةً من العبادة؛ كحال من اعتبر التعبد والتوقيف في الوسائل.
والثاني: من أجاز الحدث في محل التعبدات؛ فوقع في البدعة المذمومة.
ولهذا كان اعتبار القواعد والتعليل لها بعد التجرد للحق هو السبيل الصحيح لتحقيق الكلام في هذه المسائل.
الاتجاهات في المسألة:
وبتأمل ما يرى الناس جريان البدعة فيه وجدته لا يخرج عن أمور:
الأول: ما أريد به القربة في أصل شرعه: وذلك كالذكر والدعاء والصلاة والصيام والحج، ولم يُجروه في غيرها من المعاملات والعادات والمناكح؛ مما لم تُعتبر القربة في أصل مشروعيته.
الثاني: أنها تجري مع ما ذُكر في وسائل العبادات التي وجد المقتضي لفعلها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى المانع من فعلها ثم لم تفعل.
وذلك لقربها من العبادة، ولأن للوسائل أحكام المقاصد، ولأن هذا هو فهم السلف؛ حيث أنكر ابن مسعود على الذين يسبحون بالحصى؛ فهو اعتبار منه للتوقيف في وسائل التعبدات.
فعلى قولهم هذا تكون كل وسيلة إلى عبادة قام المقتضي لفعلها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى المانع من القيام بها ثم لم يفعلها صلى الله عليه وسلم فإن فعلها بدعة، ومن فروع ذلك عندهم: خطوط ضبط الصفوف في الصلاة، وخط بداية الطواف، والسبحة لعد الذكر، ووسائل الدعوة.
ولا يدخل في حكم البدعة ـ عندهم ـ ما جاءت به المخترعات الحديثة من وسائل العبادات؛ كمكبرات الصوت في الأذان والصلاة؛ لوجود المانع، وهو عدم التمكن من تحصيل هذه الوسيلة في عهده صلى الله عليه وسلم ؛ فقالوا بمشروعيتها.
الثالث: ما كان تعبداً محضاً، وقُـيِّد بأحوال مخصوصة؛ كالمكان أو الزمان أو الصفة أو العدد أو حال الأشخاص، والتعبد المحض هو الذي شُرع على وجه لا يُعقل معناه على التفصيل؛ ولو لم يكن قربة، وتكون البدعة فيه بإيقاعه على غير الوجه الوارد زماناً أو مكاناً أو صفة أو حالاً.
ولمناقشة هذه الاتجاهات يُقال:
أما الاتجاه الأول وهو اعتبار القربة:
فإنه مع افتقاره إلى دليل صحته فهو غير مانع ولا جامع:
فهو غير مانع لأنه يُخضِعُ لأحكام البدعة أعمالاً لا يراد منها في أصل شرعها إلا القربة والأجر؛ كالجهاد فِي سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الأمور مما لا تدخلها البدعة؛ فلم يقل أحد: إن هذه الأشياء من الأمور التوقيفية التي لا يُحدث فيها، ولا يُجدد في أعمالها إلا بدليل خاص.
وهو غير جامع لأنه يُخرج أعمالا تُعد من التعبدات المحضة، ويسمى المحدث فيها في الشريعة مبتدعاً، وهي مع ذلك ليست مما يُراد بها القربة؛ حيث يُخرج الطلاق فِي الحيض، ويُخرج الأعياد الزائدة على الأعياد الشرعية؛ فقد استقر عمل العلماء على تسمية الطلاق الذي وقع على غير الوجه المشروع بالبدعة، وتسمية العيد الجديد بالعيد المبتدع؛ فهو إذاً غير جامع.
وأما الثاني: وهو جملة "المقتضي والمانع" في وسائل العبادات:
فقد انتشر بين طلاب العلم اعتبارها ضابطاً يرون أنه فرقُ ما بين البدعة وغيرها.
والذي يظهر عند التحقيق ـ والله تعالى أعلم ـ أنها لا تصلح ضابطاً لا في العادات ولا في العبادات ولا في وسائلها؛ لوجهين:
الأول: أن كل قاعدة لا بد لها من أدلة تصححها، ولا أعلم دليلاً يوصل إلى المطلوب، وأما كون هذه السمات موجودة في البدع والسنن فلا يكفي لاعتبارها ضابطاً جامعاً مانعاً.
الثاني: أن هذه الجملة لم تتضمن تحرير المحل الذي تُجرى فيه: هل يكون في التعبدات، أو في العادات والمعاملات ؟
فإن قيل: لا تُجرى إلا في التعبدات؛ فيُقال: اعتبار جريان الحدث والبدعة في التعبدات لا يفتقر إلى هذه الجملة؛ فكل تغيير في بِـنْـيَة الفعل التعبدي بزيادة أو نقص كلي أو جزئي، أو إيقاعه في غير المحدد له شرعاً من: مكان أو زمان أو حال أو صفة نقول عن ذلك كله بأنه بدعة؛ كقولنا بالبدعة في التلفظ بالنية في الصلاة، والأذان للعيدين، ودعاء الختم في الصلاة، وصلاة الرغائب، وركعتي السعي، والتنفل بالسعي مفرداً في غير حج ولا عمرة، وغسل حصى الجمار تديناً، وعيد المولد والعيد القومي، ولا نحتاج أن نقول بعد ذلك: وجد المقتضي لهذه المحدثات وانتفى المانع منها فهي بدعة؛ وذلك لأن مجرد التغيير بالزيادة أو النقص فيما حدته الشريعة بدعة في الدين.
وإن قيل: تُجرى في العادات والمعاملات فهذا أظهر في البطلان؛ إذْ لا يُشترط في المعاملات إجراء هذه القاعدة؛ فهي كثيرة متجددة، وأغلبها وجد المقتضي لفعله وانتفى المانع من ذلك الفعل؛ ولم يقل أحد بجريان البدعة فيها.
وإن قيل تُجرى في وسائل العبادات دون غيرها من العادات والمعاملات؛ فهذا غير صحيح لما يلي:
أولاً: أن الأصل في الأشياء أن لا تكون تعبدية؛ فأين الدليل من الشريعة الذي يُخرج من ذلك الأصل؛ فيجعل الوسائل من جملة الدين المُـنَزَّل الذي لا يجوز الإحداث فيه ؟
فاختيار الوسائل لحكم التوقيف دون غيرها نوع تحكم يعود على القول بالبطلان.
ثانياً: أن الشريعة لا تترك مثل هذا دون بيان، وهو من أعظم الأمور، وأكثر الحاجات؛ فدل ذلك على أن محل وسائل العبادة ليس توقيفياً.
ثالثاً: من المعلوم ـ من حيث الأصل ـ أنه لا مقصد لأي مطاع في نوع وكيفية وسائل إنفاذ أوامره على المتبوعين، وإنما مراده تحقيق المأمور به على الوجه المطلوب؛ فإذا كان هناك ما يُخرج أوامر الباري سبحانه وتعالى من ذلك الأصل فعلى مدعيه الدليل.
رابعاً: أن الأمة بعملها لا زالت تخترع وتجدد في وسائل العبادات دون نكير:
فمن ذلك نقط المصحف، وضبطه بالشكل، ثم تحزيبه وترقيمه.
ومن ذلك ما أحدثوه من تصنيف العلم على طرق ووسائل متعددة؛ فهناك السنن والآثار والمستدركات والمسانيد على الصحابة أو التابعين أو من بعدهم من الرواة، والتبويب على أبواب الفقه.
ومن ذلك جعل والٍ لتدبير شؤون العبادة والمساجد والأئمة، وإدارة هذه الولاية بالأنظمة الحديثة.
وأكثر هذه الأشياء وُجد المقتضي لفعلها، وانتفى المانع من ذلك فلم تُعدَّ بدعة، ولم يحكم عليها أحد بحدث.
ثم يقال أيضاً: إن من المعلوم أن التعبدات المحضة قد فُرغ منها بانقطاع الوحي، ولا يُمكن أن يتصور أن يكون التطور مؤثراً في حكمها من حيث المشروعية أو عدمها؛ كالذي قالوه في بعض الوسائل؛ كمكبرات الصوت في الأذان؛ بحيث تكون مشروعيتها مرتبطة بالإمكان أو عدمه.
وإذا كنت لا تتصور أن يكون التطور مؤثراً في عدد الركعات أو الجمرات أو المواقيت أو فترة الصيام ـ لأننا نقول: إنها توقيفية ـ فلا يجوز أن نتصور أن يؤثر التطور في نوع آخر من التوقيف.
ولا يصح أن نقول إن للوسائل حكماً بالتوقيف والتعبدية يختلف عن بقية ما حكمه التوقيف؛ كالصلاة والصيام والحج؛ إذْ لا بد من بيان الحدود والفواصل بين النوعين، وبيان الدليل على كل فرق؛ فإن وجدت هذه الحدود وإلا فالضابط باطل لا اعتبار له.
خامساً: أن أظهر سمة لما تدخله البدعة أنه تعبدي لا يُعقل معناه على التفصيل، وأظهر سمة للعاديات هي معقولية المعنى؛ فما هو الأشبه بالوسائل ؟ لا ريب أن الأشبه بحالها هو عقل المعنى لا التعبد؛ فعليه لا تدخل البدعةُ وسائل العبادات.
وفي هذا المعنى يقول الإمام الشاطبي في "الاعتصام" عن تبليغ الشريعة: (.. والتبليغ كما لا يتقيد بكيفية معلومة؛ لأنه من قبيل معقول المعنى؛ فيصح بأي شيء أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة، وكذلك لا يتقيد حفظه عن الزيغ والتحريف بكيفية دون أخرى ).
وأما تعليل البعض بقرب الشيء من العبادة أو ملابسته لها أو مجاورته إياها فليس دليلاً على أنه يأخذ حكمها، وإلا لأخذ اللباس أثناء الصلاة حكم التوقيف؛ بحيث يعتبر مبتدعاً كل من صلى في غير ما صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من إزار ورداء، أو قميص، واللباس وسيلة لشرطها، وهو ستر العورة.
وأما نقلهم قول بعض الأصوليين: إن للوسائل أحكام المقاصد؛ فإنما هو من حيث الحكم التكليفي؛ فالمقاصد الواجبة وسائلها واجبة، والمستحبة وسائلها مستحبة بشروط ذلك، ولم أجد أن أحداً منهم قال: إنها تأخذ جميع أحكامها حتى اعتبارَ التوقيف.
وأما إنكار ابن مسعود رضي الله عنه على قوم اجتمعوا يذكرون الله؛ فيقول أحدهم سبحوا فيسبحون، ويقول: كبروا فيكبرون، ويعدون ذلك بالحصى فلا دليل فيه على أن الأصل فِي وسائل العبادة هو التوقيف؛ لأن إنكاره رضي الله عنه يحتمل أشياء منها:
1. الاجتماع على الذكر.
2. الذكر بصوت واحد جماعة.
3. عد التسبيح في غير الصلاة؛ حيث يراه بعض السلف بدعة.
4. التسبيح بالحصى.
فما الذي أنكره ابن مسعود رضي الله عنه من هذه الأشياء ؟ فالأمر محتمل للأربعة، وإذا كان أهل التوقيف فِي الوسائل يقولون بما اقتضته أصول البدعة من أن الذكر الجماعي بصوت واحد محدث، والاجتماع على الذكر ولو دون صوت واحد محدث أيضاً، كما أن بعض السلف يرى أن عد التسبيح في غير دبر الصلاة بدعة؛ فلماذا تخيروا التسبيح بالحصى ليجعلوه مناط إنكار ابن مسعود رضي الله عنه ؟
فالأقرب أنه إنما أنكر الأمور الثلاثة الأُوَل، أو بعضها، ومن ادعى توجه إنكاره على التسبيح بالحصى فعليه الدليل.
وهذا ما مال إليه الإمام السيوطي رحمه الله؛ كما في رسالة "الاتباع" ص 18 حيث قال عن الذكر: (.. وقد كره ابن مسعود وغيره من الصحابة اعتياد الاجتماع في مكان مخصوص ).
ووجّه في "تبيين الحقائق" (1/166) إنكاره ذلك على عد التسبيح خارج الصلاة.
* * *
فإن قيل: إن بعض العلماء ذكر قاعدة المقتضي والمانع فما القول في ذلك ؟
فالجواب أن هذه الجملة اُشتهرت عن إمامين جليلين هما الشاطبي وابن تيمية رحمهما الله، ولكن سياق كلامهما لا يدل على أنها ضابط للبدعة عندهما، وقد ساقوها لأغراض منها:
الأول: الإزراء على المبتدع، وإلزامه بلازم الاستدراك على الشريعة؛ فكأنهم يقولون: كيف ترى شرعية عملك وصحة تعبدك بهذا العمل التوقيفي مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنه م قد تركوه مع قيام المقتضي لفعله وانتفاء المانع من ذلك الفعل ؟ إلا أن يكون تركهم هذا لمعنى الحدث والبدعة.
وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص280) بعد ذكره هذه الجملة بحروفها: (.. فإن كل ما يبديه المحدث لهذا من المصلحة، أو يستدل به من الأدلة قد كان ثابتاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ).
وذكر رحمه الله في المرجع نفسه ص295 هذه القاعدة لمثل هذا الغرض، وذلك في حكمه بالبدعة على الاحتفال بالمولد فقال: (.. فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا محضاً، أو راجحاً، لكان السلف رضي الله عنه م أحق به منا.. ).
الغرض الثاني: التعليل لشرعية وسنية عبادات لم تُفعل في وقته صلى الله عليه وسلم لوجود مانع؛ كالمداومة على قيام رمضان جماعة في المسجد؛ وذلك لأجل خوف أن تُفرض على الناس، وبناء على ذلك يُعتبر الدوام عليها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة؛ ولو لم يداوم عليها.
فقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (21/318):
(.. السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، سواء فعله رسول الله، أو فعل على زمانه، أو لم يفعله، ولم يفعل على زمانه؛ لعدم المقتضي حينئذ لفعله، أو وجود المانع منه؛ فإنه إذا ثبت أنه أمر به أو استحبه فهو سنة ) أهـ.
فهو هنا يُثبت سنية ومشروعية المداومة في قيام رمضان جماعة في المسجد، وأن ترك الرسول صلى الله عليه وسلم المداومة لا يسلبها وصف السنة؛ فهي في غير السياق الذي يقول به أهل التوقيف في الوسائل.
الثالث: أنهما لم يذكرا ضبط البدعة بهذه الجملة في "الوسائل"؛ كالذي ذكره بعض المتأخرين؛ فتخصيصها بالوسائل زيادة على كلامهما.
أما تطبيقاتهما في مسائل البدعة فهي تدل على أنهما لا يريان إجراءها في غير العبادات المحضة؛ فلم يوجد ـ فيما وقفت عليه في كلامهما ـ أنهما حكما بالبدعة في وسيلة عبادة، أو في أمر عادي مجاور لعبادة؛ كالذي تنازع فيه الناس اليوم؛ بل قال ابن تيمية بجواز التسبيح بالسبحة، وقال الشاطبي بشرعية كل وسيلة لتبليغ الدين؛ كما تقدم قريباً.
وكان كلامهما في هذه القاعدة إنما يدور على تعبدات محضة:
فالشاطبي قال في "الاعتصام" (1/361). بعد ذكره هذه القاعدة: (.. لأنه لما كان الموجب لشريعة الحكم موجوداً ثم لم يشرع كان صريحاً في أن الزائد على ما ثبت هنالك بدعة مخالفة لقصد الشارع؛ إذْ فُهم من قصده الوقوف عند ما حُدَّ هنالك بلا زيادة ولا نقصان منه ).
فقوله: ( الوقوف عند ما حُدّ هنالك ) يدل على أن كلامه على محدود، وهو ما خُلص في هذا البحث بأنه التعبد الذي تدخله البدعة، والوسائل لا تحديد فيها.
وذكرها الإمام ابن تيمية في تعبدي محض، وهو الأذان للعيدين.
كما صرح فِي "مجموع الفتاوى" (26/172) بأنها تُجرى في التعبدات فقال بعد ذكره للقاعدة: (.. فأما ما تَرَكه من جنس العبادات مع أنه لو كان مشروعاً لفعله، أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة؛ فيجب القطع بأن فعله بدعة.. ).
ومتى صححت الإيرادات ببطلان هذه الجملة حداً بين السنة والبدعة؛ فرُدَّ المشتبه من كلام البشر إلى محكمات الأدلة، وصحيح التعليلات.
وقد كان اعتقادها ضابطاً صحيحاً للبدعة من أسباب التنازع والبغي والعدوان بين المختلفين؛ فالذي يستدل بها يجعل محل البدعة مضمراً في نفسه لا يعرف هو له خطاماً ولا زماماً؛ فيضطرب قوله، وتختلف أحكامه؛ فيرى منازعُه أنه يحكم على الشيء بالبدعة، ويحكم على مثله ـ بمقتضى القاعدة نفسها ـ بالسنة؛ مما يزيد غيض مخالفيه عليه، ويحصل له من ذلك التهمة بالهوى، ومجرد الخضوع لمعهود أو بيئة.
فكان تحرير مسألة ضابط البدعة وما تدخله من أهم مهمات هذا الباب؛ لما فيه من معرفة البدعة للحذر منها، وما يتضمنه أيضاً من عدم اعتقاد شيء من الدين بأنه تعبد محض، وليس هو كذلك؛ إذْ إن هذا ضرب من البدعة أيضاً.
* * *

الراجح بين هذه الاتجاهات:
وقد ظهر باستقراء الأدلة وكلام أهل العلم أن المحل الذي تدخله البدعة هو الذي عينت الشريعة له حدوداً بمكان أو زمان أو عدد أو اتجاه أو صفة أو حال، وكانت هذه الحدود مما لا يُعقل لها معنى على التفصيل.
وتدخل البدعة بهذا الاعتبار في أي عمل سواء أُريد به القربة؛ كالصلاة والصيام والحج والذكر والدعاء، أو لم تُرد به القربة؛ كالأعياد والطلاق وعٍٍدَد النساء.
فهذا هو المحل الذي تدخله البدعة.
كما ظهر أن الحكم بالبدعة على الشيء يدور على قواعد ثلاث:
القاعدة الأولى: أن كل تغيير في ذلك المحدود بالزيادة أو النقص أو الصفة أو إبدال المكان أو الزمان أو الموضع أو الحال على وجه لم يأذن به الله كله بدعة في الدين.
القاعدة الثانية: أن نية التعبد المحض في فعل وترك الأمور العادية على وجه لم ترد به الشريعة تحيل العمل والترك إلى عبادة محضة؛ فيصير بدعة.
وذلك كالتعبد بلبس نوع معين من الثياب، وإطلاق شعر الرأس والشارب شعثاً، والتعرض للشمس، والمشي إلى الحج مع توفر مراكب سريعة بلا كلفة، والتغني بالقصائد تعبداً.
هذا في الأفعال، ومثله في التروك، وذلك بأن يترك المسلم الشيء تعبداً؛ كترك الماء البارد وجميل الثياب التي لا إسراف فيها تقرباً إلى الله وابتغاء الأجر. أما تركها لمعارض أرجح؛ كالسرف في تبريد الماء، أو في تحصيل جميل الثياب؛ فهو مباح أو مستحب؛ لأجل عقل المعنى، ولهذا وصف العلماء الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً.
القاعدة الثالثة: مضاهاة المكلف للتعبدات المحضة.
ويجري حكم البدعة بمضاهاة التعبدات في صورتين:
الصورة الأولى: تخصيص العبادة المحضة، أو تقييدها بمكان أو زمان أو حال أو صفة؛ سواء كان ذلك باعتقاد المشروعية على الوجه الخاص أو المقيد، أو أن يقع هذا التخصيص أو التقييد بمحض العادة، ومطلق المداومة.
والصورة الثانية: تخصيص العادات بمحدودات من مكان أو زمان أو حال أو صفة لا يُعقل لهذه المحدودات معنى على التفصيل؛ ولو لم يُرد بها القربة لله أو للبشر؛ كضرب المكوس والوظائف على الدوام، وتنكيس العلم أو الصمت حداداً، وزيارة نصب الجندي المجهول، والأعياد القومية.
أدلة ضابط ما تدخله البدعة وقواعد الابتداع:
وقبل أن نستدل لما رُجح هنا فيحسن أن نتأمل مصطلح "التعبد" عند العلماء؛ فهو مهم لفهم كثير من مسائل الباب؛ حيث تجده يُطلق، ويراد بها معان ثلاثة:
المعنى الأول: ما لم يُعقل له معنى على التفصيل من القربات المحضة التي لا تصرف إلا لله؛ كالصلاة والحج والصوم، وأنواع الذكر مطلقاً ومقيداً؛ فهذا تدخله البدعة؛ إذا وجد تغيير في بنية العبادة أو مكانها أو زمانها، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف.
ويدخل في هذا المعنى كل ما حدته الشريعة بحدود زمانية أو مكانية وأحوال مخصوصة لا يُعقل لحدودها معنى على التفصيل؛ كَعِدَد النساء، والأعياد، والطلاق.
المعنى الثاني: ما لم يُعقل له معنى في أصل شرعه في المعاملات، وهو ما اصطلح الأصوليون عليه بأنه المعدول به عن سَنَن القياس؛ كالنهي عن تلقي الركبان عند من يراه تعبداً لا يُعقل معناه: هل هو لحظ الجالب، أو هو لحظ أهل البلد حماية لهم من احتكار المتلقي أو رفعه الأسعار ؟ فلتزاحم الأوصاف التي يُحتمل تأثيرها امتنع القياس؛ فصار عند البعض تعبدياً، وكالنهي عن بيع الطعام قبل قبضه، وكالشفعة واللعان والعرايا عند من يرى امتناع القياس في هذا النوع من المعاملات؛ فلامتناع القياس سماه تعبداً؛ أي لا علة له.
وهذا المعنى لا تدخله البدعة؛ لعدم وجود مقدر ومحدود من زمان أو مكان أو صفة أو عدد؛ لأن إلحاق حكم البدعة لا يُتصور إلا بتغيير في محدود، ولا يوجد في هذا النوع شيء من ذلك؛ فالتعبد هنا إنما اعتبر في أصل شرع الحكم؛ لا في تفاصيله.
وآثار وصف "التعبد" هنا هي: منع إجراء القياس، لعدم وجود ركنه وهو العلة، أما الأحكام المعللة فهي التي تُعدى فيها العلة إلى الفرع محل النزاع؛ فالتعبدي هنا ثابت، والمعلل عرضة للتغير.
وانظر في منع القياس في التعبدات "المجموع" (3/342) للنووي، و"الاعتصام" (2/62) للشاطبي.
ومن آثار التعبدية هنا أيضاً: اعتبار الحكم الوضعي بالفساد بمجرد المخالفة؛ لعدم معرفة العلة التي يُعرف بها فساد الشيء وصحته.
ومعقول المعنى على التفصيل يُخرج معقول المعنى على الإجمال؛ فجميع الشرائع الربانية أريد بها مصالح العباد في الدين والدنيا؛ فهذا معنى إجمالي، ولكن تفاصيل الأحكام التعبدية؛ من الأعداد والأمكنة والأزمنة غير معقولة المعنى على التفصيل.
والمعنى الثالث للتعبد: هو المعنى العام للعبادة، والذي عرفه بعض العلماء بأنه: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة؛ فيدخل فِي ذلك الأعمال الصالحة التي شرعت فِي نفسها لتحصيل مقاصدها الشرعية على وجه الاستحباب أو الوجوب، ويُقصد منها آثارها الحسنة، وكذلك ما يترتب عليها من الثواب؛ كحسن الخلق وصلة الرحم وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم والدعوة إلى الله تعالى، وكالنفقة على العيال وطلب الرزق بنية الاستغناء به عن الناس، وكذلك الأكل والشرب والنوم بنية الاستعانة على الطاعة، أو الجماع بنية العفاف والولد، ونحو ذلك.
فهذا لا تدخله البدعة بلا خلاف أعلمه إلا بنية التعبد، أو حصول المضاهاة.
* * * *
وإذا أردنا أن نلج إلى الأدلة فلنبدأ بضابط محل البدعة؛ حيث دل لصحته أن النصوص التي جاءت بها الشريعة في ذم البدعة بينت ذلك بطرق عديدة منها: الإحداث في "أمر الدين" في قوله صلى الله عليه وسلم : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه من حديث عائشة. ومنها: التحذير من محدثات الأمور في قوله صلى الله عليه وسلم : "وإياكم ومحدثات الأمور" رواه أحمد من حديث العرباض بن سارية.
فما هو الدين أو الأمر الذي نُهينا عن الإحداث فيه ؟
فإن قيل: هو كل ما يباشره المرء في حياته من عادة ومعاملة ومأكل ومشرب وملبس ومركب ومسكن، وغيرها من أمور المعاش ـ لأنها محكومة بالدين ـ فإن من لازم ذلك إجراء حكم البدعة فيما اتفقت الأمة على عدم دخولها فيه مما ذُكرت أمثلته من العادات والمعاملات، وهذا باطل؛ فلم يبق من الدين الذي تدخله البدعة إلا ما حدته الشريعة بعدد أو صفة أو مكان أو زمان؛ لأنه هو الدين المُنَزَّل يقيناً.
ولك أن تقول بعبارة أخرى: إن لك التصرف في كل شيء ـ بمقتضى أصل الإباحة ـ من العادات والمعاملات والوسائل حتى تجد حدوداً وضعتها الشريعة؛ فهاهنا يكون الدين الذي منعنا من التصرف فيه، أو التغيير في محدوداته؛ ويُسمى هذا التغيير وذلك التصرف بدعة في الدين.
وهذا ـ كما ترى ـ سهلُ المدرك واضحُ التطبيق.
وكان من طريقة العلماء أنهم لم يجروا البدعة في عادة أو معاملة، وأجروها في جميع المحدودات التعبدية:
أما العبادات المحضة التي يراد بها القربة؛ كالصلاة والصيام والحج فالأمر فيها ظاهر، وأحكامهم فيها معلومة.
وأما ما سواها من المقدرات والمحدودات؛ فمنها:
1. الأعياد الزمانية؛ حيث قال العلماء بأن الأعياد المحدثة بدع مذمومة؛ كعيد المولد، والأعياد القومية؛ كالثورة والاستقلال، والأعياد التاريخية مما له أصول دينية، أو لم يكن؛ كالنيروز وشم النسيم.
ومن المعلوم أن العيد الزائد عن الأعياد الشرعية ليس عبادة محضة، وإنما وجدت البدعة فيه لكون الأعياد قد حُصرت في عيدين فقط؛ فالزيادة عليهما حدث.
2. نكاح التحليل؛ كما قال بذلك الشاطبي في "الموافقات" (2/290) أقول: وأقرب تعليل لذلك ما يتضمنه التحليل من تعطيل مقاصد الشريعة في المحدودات، وهي الطلاق الثلاث في أحوال مخصوصة وأعداد مقدرة، وآثارها من البينونة الكبرى، ويكون هذا التعطيل بمنع وقوعها على الوجه الذي حدته الشريعة.
3. إيقاع الطلاق الثلاث جملة؛ كما في "المبسوط" للسرخسي (6/4).
4. إيقاع الطلاق في الحيض الذي وقع على خلاف الحال الذي حددته الشريعة، رغم تجرده من معنى القربة؛ فسموه طلاق بدعة، وهذا محل اتفاق في كتب المذاهب الأربعة، وغيرها.
5. عدة المتوفى عنها زوجها، وانظر "الموافقات" للشاطبي (2/213).
وقد ذهب إلى اعتبار عدم معقولية المعنى لجريان حكم البدعة الإمام الشاطبي رحمه الله؛ فقال في "الموافقات" (2/222): (.. التعبد راجع إلى عدم معقولية المعنى، وبحيث لا يصح إجراء القياس، وإذا لم يعقل معناه دل على أن قصد الشارع فِي الوقوف عند ما حدّه لا يتعدى.. ).
وقال رحمه الله: (.. لأن ما لا يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنـهي عنـه؛ فهو المراد بالتعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدتـه فهو المراد بالعادي ).
وقال في "الاعتصام" (1/347): ( فإن كان مقيداً بالتعبد الذي لا يعقل معناه فلا يصح أن يُعمل به إلا على ذلك الوجه ).
وفي "الشرح الكبير" (1/672) قال الدردير رحمه الله: (.. إن الشارع إذا حدد شيئاً كان ما زاد عليه بدعة ).
* * * *
والدليل على أثر النية في تحويل الفعل والترك العاديين إلى عبادة محضة قوله: "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب.
* * * *
وأما تحقق وصف البدعة بالمضاهاة في التخصيص والتقييد أو بمجرد الإلف والعادة؛ فيُقال في تعليل ذلك: إن سمات التعبد المحض هي قصد الشريعة في العمل المعين أن يؤتى به على الوجه المعين، وأن أظهر سمات العبادات المحضة اعتبار محدودات منها:
1. مواضع معينة محددة من الجسم؛ كأعضاء الوضوء.
2. المكان؛ كما في الحج، وهو من أبرز سمات المناسك.
3. الزمان؛ كما في مواقيت الصلاة والصيام والحج.
4. الهيئة أو الصفة؛ كما في الصلاة.
5. الاجتماع؛ لصلاة الجمعة والعيدين؛ فلا تصحان إلا بالاجتماع، وبالحركة الموحدة في الأركان، وبالصوت الواحد في التأمين، وقد شُرع لضبطها وجود إمام للمصلين.
6. التكرار والمداومة؛ لمعنى التعبد، وتحصيل الأجر.
7. الاتجاهات؛ كما في القبلة في الصلاة والطواف في المناسك.
8. الأعداد والمقادير؛ كما هو في جميع التعبدات المحضة من الصلاة والصيام والزكاة والحج والطلاق وعدد النساء.
ولو تأملت في الجامع لهذه السمات في التشريع رأيته ضرباً من التخصيص والتقييد بهذه السمات أو بعضها دون معنى معقول على التفصيل؛ فقصد المكلف في العبادات إلى خصوصٍ أو تقييدٍ لم تدل عليه الشريعة هو ضرب من مضاهاة الشريعة في سنها للأحكام التعبدية؛ فيكون فعلها على هذا الوجه المعين ضرباً من البدع.
وذلك مثل الذكر جماعة بصوت واحد، وتخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام من بين الليالي، وتحرى الدعاء الذي لله عند قبر من القبور، أو عند باب المسجد إذا هم بسفر، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند تناول البخور، والتعوذ عند التثاؤب، والمداومة في خطبة الجمعة على قراءة آية: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان.." الآية، أو التزام خطيب الجمعة أمر الناس بالاستغفار نـهاية الخطبة الأولى.
وكل هذه الأمثلة يُمكن أن يستدل لها صاحب البدعة بدليل عام أو مطلق.
وأظهر تعليل على أن العمومات والمطلقات لا تصح دليلاً على الصفات المخصوصات والمقيدات هو أنه يلزم من ذلك أن تُحدث صلاة سادسة على صفة صلاة الفجر أو المغرب يجتمع لها الناس ضحى ويؤدونها جماعة في المسجد، ويُستدل لها بمطلق الأمر بالصلاة أو الأمر بعبادة الله، وبمشروعية الجماعة للنوافل، وهذه الأدلة العامة أو المطلقة هي نفسها التي استدل بها المبتدع في الأمثلة المذكورة قريباً.
وقد أشار إلى هذا اللازم الإمام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/132).
فعلى هذا: إما أن يكون استدلال المبتدع بالمطلق والعام لاعتبار الصلاة السادسة صحيحاً، أو أن يكون استدلالنا بها لتصحيح ما ذُكر في هذه الأمثلة باطلاً؛ فلا مناص من أحد الأمرين إلا طريقة ثالثة وهي سنة المتبعين: أن الاستدلال بالعمومات على الصفات المخصوصات كله باطل، وما ينتجه هذا الاستدلال من صفات مركبة جميعه بدعة في الدين، حتى ولو كان كل واحد من هذه الصفات مشروعاً على الانفراد.
وقد قرر هذه القاعدة جمع من الأئمة منهم الإمام ابن دقيق العيد في كلامه عن دلالة العام على الخاص؛ فقال في "إحكام الأحكام" (1/200و201): (.. إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة، والفعل المخصوص: يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه.. ).
ورجح رحمه الله أن طلب الدليل الخاص على الشيء المخصوص أصح من إدراج الشيء المخصوص تحت العمومات، ثم استدل بطريقة السلف حين حكموا بالبدعة على أعمال؛ لأنه لم يثبت عندهم فيها دليل، ولم يروا إدراجها تحت العمومات.
وقال الإمام الشاطبي فِي تقرير هذه القاعدة: ( ومن البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقة: أن يكون أصل العبادة مشروعاً إلا أنها تخرج عن أصل شرعيتها بغير دليل توهماً أنها باقية على أصلها تحت مقتضى الدليل، وذلك بأن يُقيّد إطلاقها بالرأي.. ). انظر "الموافقات" (3/211) فما بعدها.
وقال في "الاعتصام": (.. فإن أتى به المكلف فِي ذلك الأمر بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو مقارناً لعبادة مخصوصة، والتزم ذلك بحيث صار مُتخيلاً أن الكيفية أو الزمان أو المكان مقصودة شرعاً من غير أن يدل الدليل عليه: كان الدليل بمعزل عن هذا المعنى المستدل عليه ).
وذكر رحمه الله في "الموافقات" (3/123) جملة من نكير السلف على من داوم على بعض الأعمال دون دليل خاص، ثم قال: (.. هذا فيما لم يظهر الدوام فيه؛ فكيف مع الالتزام ؟ والأحاديث في هذا والأخبار كثيرة، جميعها يدل على أن التزام الخصوصات في الأوامر المطلقات مفتقر إلى دليل، وإلا كان قولاً بالرأي واستناناً بغير مشروع، وهذه الفائدة أنبنت على هذه المسألة؛ مع مسألة أن الأمر بالمطلق لا يستلزم الأمر بالمقيد ).
وهذا هو رأي الإمام السبكي فقد ذكر ذلك العلامة ابن حجر الهيتمي في "فتاواه" (2/80) في كلامه على تخصيص ليلة النصف من شعبان بالقيام حيث قال: إن ذلك بدعة، ونقل عن السبكي تقريره بأن ما لم يرد فيه إلا مطلق طلب الصلاة، وأنها خير موضوع فلا يطلب منه شيء بخصوصه؛ فمتى خَصَّ شيئاً منه بزمان أو مكان أو نحو ذلك دخل في قسم البدعة، هذا ملخص كلامه رحمه الله.
وعبر الإمام ابن تيمية عن هذه القاعدة بقوله: ( شرع الله ورسوله للعمل بوصف العموم والإطلاق لا يقتضي أن يكون مشروعاً بوصف الخصوص والتقييد؛ فإن العام والمطلق لا يدل على ما يختص بعض أفراده ويقيد بعضها؛ فلا يقتضي أن يكون ذلك الخصوص والتقييد مشروعاً ولا مأموراً به ).
وتقع المضاهاة بالمداومة على الفعل أو التزامه دون دليل خاص على ذلك، وهو من التخصيص والتقييد غير المشروع؛ لعدم الدليل على الخصوص.
قال الإمام الشاطبي في "الاعتصام" (1/345) فِي أنواع المداومات: (.. ووجه دخول الابتداع هنا أن كل ما واظب عليه رسول الله من النوافل وأظهره فِي الجماعات، فهو سنة، فالعمل بالنافلة التي ليست بسنة عن طريق العمل بالسنة إخراج للنافلة من مكانـها المخصوص بها شرعاً..).
ويرى رحمه الله أن العبد إذا خص يوماً للصيام مثلاً كالجمعة بعينه، أو أياما من الشهر بأعيانها لا من جهة ما عينه الشارع فإن ذلك ظاهر بأنه من جهة اختيار المكلف؛ كيوم الأربعاء مثلاً فِي الجمعة والسابع والثامن فِي الشهر، وما أشبه ذلك، وأنه إذا قيل له: لم خصصت تلك الأيام دون غيرها لم يكن له بذلك حجة غير التصميم، أو يقول: إن الشيخ الفلاني مات فيه، أو ما أشبه ذلك. ويرى أن هذا رأيٌ محض بغير دليل ضاهي به تخصيص الشارع أياما بأعيانها دون غيرها؛ فصار التخصيص من المكلف بدعة؛ إذ هي تشريع بغير مستند، هذا ملخص ما ذكره في "الاعتصام"(2/ 12).
وقال العلامة الدسوقي في "الحاشية" (1/317) (.. لا تصلى النافلة جماعة فِي مكان مشتهر ولو كانوا قلة، ولا يصلون كثرة ولو فِي مكان خفي، ولا يداوم عليها فِي سر ولا علن.. ).
وما ذكره العلامة الدسوقي ظاهر في الالتفات إلى خصائص التعبدات المحضة، وأن محاكاتها ضرب من الحدث والبدعة، وهذا بين؛ فلو أن الإمام قال لجماعته: لنصل نافلة العشاء جماعة لاستنكر الناس ذلك ورأوا أنه جاء ببدعة؛ رغم مشروعية النافلة، ومشروعية الجماعة فيها، ولكنها حين ضاهت المشروع مُنعت.
وقرر الإمام ابن تيمية رحمه الله؛ كما في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص303) أنه لا تُشرع المداومة على الجماعة في صلاة التطوع أو استماع القرآن أو ذكر الله ونحو ذلك، وأنه إذا فُعل أحياناً فهو حسن، وأن اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع والشهور والأعوام غير الاجتماعات المشروعة يضاهي الاجتماعات للصلوات الخمس وللجمعة، وأن ذلك هو المبتدع المحدث، ونقل عن أحمد أنه سئل: هل يكره أن يجتمع القوم يدعون الله، ويرفعون أيديهم ؟ فقال: ما أكره للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد، وبنى هذا على: (.. أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات حتى تصير سنناً ومواسم: قد شرع الله منها ما فيه كفاية للعباد؛ فإذا أُحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات يعتاد: كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه.. ).
إلى أن قال رحمه الله: (.. وكذلك تطوع القراءة والذكر والدعاء جماعة وفرادى. وتطوع قصد بعض المشاهد، ونحو ذلك كله من نوع واحد: يفرق بين الكثير الظاهر منـه والقليل الخفي والمعتاد وغير المعتاد، وكذلك كل ما كان مشروع الجنس لكن البدعة اتخاذه عادة.. ).
وقرر في ذلك قاعدة بقوله في "مجموع الفتاوى" (20/197) : (مضاهاة غير المسنون بالمسنون بدعة).
وانظر المرجع السابق (1/132).

المضاهاة في العادات:
التعبد ـ وهو الأمر بما لا يُعقل معناه على التفصيل ـ حق لله وحده، وإذا أوقع أحدٌ الفعل أو القول على هذا الوجه التعبدي، وجعلهما في عادة فقد اخترع عبادة جديدة وصرفها لغير الله، ومن هنا استحقت وصف البدعة؛ لأنه تشريع فهو من أعظم البدع.
فإحداث التعبد و صرفه لله بدعة عظيمة؛ فإن صُرف لغير الله كان أشنع وأشد.
وإذا أردنا أن نتصور هذه المسألة فلنضرب لها مثالاً: فلو أن أحداً أراد أن يُعظِّم أباه فكان عند استيقاظه يقف صامتاً متوجهاً إلى منزل والده، وهو مع ذلك يتمتم ببيت معين من الشعر، ويحرك يديه بطريقة معينة يداوم عليها؛ فإذا سئل عن ذلك قال: هذه مجرد عادة لا مدخل فيها لبدعة، ولي أن أعظم والدي بأي طريقة أراها !
فماذا نحن قائلون ؟ لا ريب أن حكم كل من رآه أن يقول: إن هذا الفعل يشبه العبادة المشروعة، ومن هنا كان السلوك بالعادات مسلك التعبدات بدعة محرمة.
ولا يؤثر في الحكم أن تكون السمات التعبدية واحدة أو مجموعة؛ فإن كانت مجموعة؛ ـ كالذي قلنا في مثال تعظيم الوالد ـ كان أظهر في معنى الحدث، وإن كانت سمة واحدة فهي داخلة في دائرة التعبد؛ فكان ذلك من البدع.
إن الأشياء التعبدية المحضة التي لا يُعقل معناها على التفصيل لا تكون إلا من الله ولا تُصرف إلا إليه؛ ولهذا يصدق عليها اسم البدعة في الحالين.
قال الشاطبي في "الاعتصام" (2/80) بعد ذكره وضع المكوس في معاملات الناس بأن ذلك قد يكون على قصد حجر التصرفات وقتاً ما، أو لنيل حطام الدنيا؛ كعمل الغاصبين (.. أو يكون على قصد وضعه على الناس كالدِّين الموضوع، والأمر المحتوم عليهم دائماً، أو في أوقات محدودة علي كيفيات مضروبة بحيث تضاهى المشروع الدائم الذي يُحمل عليه العامة ويؤخذون به، وتوجه على الممتنع منه العقوبة؛ كما في أخذ زكاة المواشي... فأما الثاني فظاهر أنه بدعة إذ هو تشريع زائد، وإلزام للمكلفين يضاهي إلزامهم الزكاة المفروضة... فمن هذه الجهة يصير بدعة بلا شك؛ لأنه شرع مستدرك.. فتصير المكوس على هذا الفرض لها نظران: نظر من جهة كونها محرمة.. ونظر من جهة كونها اختراعاً لتشريع يؤخذ به الناس إلى الموت [أي دائماً]؛ كما يؤخذون بسائر التكاليف؛ فاجتمع فيها نهيان: نهىٌ عن المعصية، ونهى عن البدعة، وليس ذلك موجوداً في البدع في القسم الأول، وإنما يوجد به النهي من جهة كونه تشريعاً موضوعاً على الناس أمر وجوب أو ندب، إذ ليس فيه جهة أخرى يكون بها معصية؛ بل نفس التشريع هو نفس الممنوع ).
بين البدعة والمعصية:
فإن قيل: إن المعصية بترك الواجب وفعل المحرم إيقاع للشيء على غير الوجه الذي أرادته الشريعة فلم لم تُدخل في البدع ؟
فالجواب: أن هذا الإيراد من أسهل مسائل هذا الباب؛ وذلك للاتفاق على أن ترك الواجب، وفعل المحرم عزيمة لا خيرة فيها للمكلف؛ كوجوب الترك لما نتفق على كونه بدعة، بخلاف مسائل البدع الأخرى فالخلاف واقع في جواز الفعل.
وغاية ما يريده الباحثون في موضوع البدعة هو الوصول إلى صدق اسم البدعة ليُوصل به إلى حكم المنع، والمنع في المعصية متحقق باتفاق؛ فلأجل ذلك كان هذا المبحث سهلاً يسيراً.
ولو قيل: إن المعصية بدعة لكان له وجه؛ لما ذُكر في هذا الإيراد؛ لكن الأظهر أنها لا توصف بذلك؛ لأن النهي عن فعل المحرم عام مطلق لم يُحدد بزمان أو مكان أو صفة، وإنما أُريد من المكلف فيه مطلق الترك، وكذلك واجب الفعل إذا كان مطلقاً.
كما أن المخالف للأمر والنهي لا توجد عنده نية التعبد بالمخالفة، ولا إيقاعها على وجه محدد، ولم يقع فيها مضاهاة لما شرعه الله.
وقد تأيد هذا الأصل بترك جماهير السلف إطلاق اسم البدعة على المعصية المجردة.

مسائل تدخلها البدعة:
إعلان شعائر الصلاة في مكبرات الصوت الخارجية:
إعلان بعض الأعمال التعبدية مقصود للشريعة؛ كإعلان الأذان؛ حيث صار شعاراً لها؛ فإن وُجد عمل تعبدي الأصل فيه عدم الإعلان فلا يجوز أن يُسلك به هذا السبيل، وتُعتبر هنا قاعدة المضاهاة؛ فلا يُشرع تعمد إعلان شعائر الصلاة في مكبرات الصوت الخارجية.
ولا مجال هنا للتعليلات العقلية؛ كقول البعض: إن هذا ينبه الغافل على أن الصلاة قد أقيمت؛ فإن هذا تعبدي، وقد وجد المقتضي لفعل مثله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو إعلان الإقامة على أبواب المساجد أو أسطحها ولم يُفعل فدل على أنه غير مشروع.
والله عز وجل قد شرع الأذان لإحاطة الناس بقرب إقامة الصلاة، وشرع الإقامة لإحاطة من في المسجد بأوان الشروع فيها؛ فلا يجوز أن تراعى معاني أخرى لم تقصدها الشريعة؛ فإن هذا عين الاستدراك عليها.
وإذا كان إعلان التلاوة مجردة من خلال هذه المكبرات غير مشروع، ويستنكره قلب كل من سمعه فإن إعلان شعائر الصلاة لا يختلف عن هذا.
كما أن الناس يستنكرون إعلان دعاء الأذان المشروع في المكبرات بعد أدائه، والذي حدث هو مجرد الإعلان.
ولنحذر في هذا المقام من تأثير الإلف والعادة؛ فإنها المانعة من التأمل والنظر.
ولا يسري هذا على نقل شعائر الصلاة من خلال وسائل الإعلام؛ فإن هذه الوسائل لا تُبث في أماكن عامة حتى تأخذ صفة الشعار؛ فالتحكم فيها بيد مالك الوسيلة من تلفاز أو مذياع؛ بخلاف إعلان شعائر الصلاة عبر مكبرات الصوت الخارجية فهي ظاهرة ملزمة.
وقارن في هذا بين الدعاء وشعائر الصلاة، وكلاهما تعبدي؛ فلو تم الدعاء في وسيلة إعلامية لم يظهر فيه ما يُستنكر، ولكن لو اُتخذت مكبرات المساجد الخارجية لهذا الغرض لظهرت هنا معاني الشعار ومضاهاة المشروع، وقل مثل ذلك في تلاوة القرآن تظهر شرعيتها في هذه الوسائل، ولا تظهر هذه الشرعية في إعلانها في مكبرات المساجد الخارجية.
السلام والمصافحة بعد السلام من الصلاة:
كثير من الناس يستدل لشرعية هذا العمل بعمومات النصوص، أو إطلاقاتـها. والناس فِي هذه المسألة طرفان ووسط:
فمنهم من يستحب المصافحة بعد الصلاة مباشرة وقبل أداء الأذكار الواردة، حتى وإن كان قد سلّم على صاحبه قبل الصلاة، ولم يفصل بينهما إلا أداؤها، وتراه يداوم على ذلك؛ فهذا قد اعتقد الخصوص أو التقييد بغير دليل، وخالف بذلك القاعدة؛ لأنه لا معنى يفهم من ذلك إلا أن السلام مستحب بذاته بعد الصلاة مباشرة.
ومنهم من لا يسلم على من جاوره مطلقاً خشيةً من وقوعه فِي البدعة ـ على حد زعمه ـ فيثير الوحشة مع إخوانه المسلمين من غير مستند.
ومنهم وسط متبع للشريعة مؤد للحقوق؛ فإن كان قد سلم على صاحبه قبل الصلاة، ولم يفصل بينهما إلا الصلاة فإنه لا يُعيد السلام؛ لأن الصلاة لا تعتبر فِي الشريعة فاصلاً، ولأنه لا يتمحض من هذا السلام إلا اعتقاد استحباب السلام بعد الصلاة على الخصوص دون دليل خاص، وإن لم يسلم عليه قبل الصلاة؛ فسلم عليه بعد إتيانه بالأذكار المشروعة؛ فليس في فعله محظور ولا بدعة؛ بل هو مأجور مشكور، وكان بفعله هذا قد استعمل نصوص السلام على إطلاقها دون تقييد.
وممن قال بعدم مشروعية السلام بعد الصلاة عز الدين ابن عبد السلام والشاطبي وغيرهما.
وقال القرافي في "الفروق" (4/253): (.. ما يفعله أهل الزمان من المصافحة عند الفراغ من الصلاة بدعة غير مشروعة، وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام ينهى عنه، وينكره على فاعله ).
دعاء ختم القرآن:
الأظهر أن دعاء ختم القرآن غير مشروع لا في الصلاة ولا خارجها، وهذا هو مذهب مالك رحمه الله؛ ففي "المدخل" لابن الحاج (2/299) أنه قال حين سئل عنه: ( ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن، وما هو من عمل الناس ).
ودليل ذلك هو: عدم ثبوت فعله ولا إقراره عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يُقال: ربما فعله أو أقره ولم يُنقل؛ فالجواب أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم للشيء التعبدي مع وجود المقتضي لفعله وانتفاء المانع من الفعل، وكون هذا الشيء مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله فإن تركه، وعدم نقل فعله والحال هذه كالنص من الشارع على النهي عنه، أو الحكم عليه منه بأنه بدعة.
ودعاء ختم القرآن من هذا الجنس؛ إذْ يستحيل أو يكاد أن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا يُنقل، وقد نُقل عمن هو دونه، وهو أنس رضي الله عنه .
وأما فعل أنس رضي الله عنه فلا يدل على مشروعيته؛ فقد ترك المحققون من العلماء أفعال الصحابة أو أقوالهم إذا لم يكن عليها ظاهر هدي النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تركاً.
فمن ذلك: غرس الجريد على القبر؛ حيث ثبتت الوصية بذلك عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه .
ومن ذلك التعريف فِي الأمصار، وهو الاجتماع للدعاء فِي المساجد يوم عرفة من غير الحجاج؛ حيث ثبت فعل ابن عباس رضي الله عنه ما له.
ومن ذلك تعليق التمائم من القرآن والسنة؛ فقد ثبت في مسند أحمد وسنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ما في ذكر الفزع عند النوم وهو: "بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون" أنه كان يعلمهن من عقل من بنيه، ومن لم يعقل كتبه فأعلقه عليه.
ومن ذلك قصد الصلاة في مواضع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه ما أنه كان يتتبعها.
ومن ذلك الزيادة فِي الوضوء على أعضائه؛ كغسل العضد إلى الكتف مع اليد، والساق إلى الركبة مع الرِجْل؛ فقد ثبت عن أبي هريرة أنه كان يفعل ذلك.
وكل هذه المسائل لم يرها كثير من العلماء أعمالاً مشروعة يُستحب فعلها؛ بل نهوا عنها، وسماها كثيرون باسم البدعة.
قال الإمام ابن تيمية فِي "مجموع الفتاوى" (1/279) فِي معرض كلامه عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم : (.. ومثل هذا لا تثبت به شريعة؛ كسائر ما يُنقل عن آحاد الصحابة فِي جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات؛ إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه - وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه - لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها؛ بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة؛ فيجب رده إلى الله والرسول ).
وقد ساق في "مجموع الفتاوى" (1/279) كلاماً مطولاً قرر فيه أن اجتهاد الصحابي لا يكون حجة إذا خالف جمهورهم، وضرب لذلك أمثلة، ثم قال رحمه الله: (.. ولا يقول عالم بالسنة: إن هذه سنة مشروعة للمسلمين. فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ ليس لغيره أن يسن، ولا أن يشرع ).
وجاء فِي "المدخل" لابن الحاج: (3/280) نقلاً عن الطرطوشي قوله عن غرس الجريد على القبر: (.. وما نُقل عن واحد من الصحابة رضي الله عنه م؛ فلـم يصحبه عمل باقيهم رضي الله تعالى عنهم؛ إذ لو فهـموا ذلك لبادروا بأجمعهم إليه، وكانوا من أحرص الناس على الخير ).
ودعاء ختم القرآن من جنس اجتهادات الصحابة المذكورة: فَعَلها آحاد الصحابة وخالفت الهدي التركي الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم ، كما خالفت الهدي التركي لجملة الصحابة؛ فلا يعد مشروعاً.
وتأمل في غرس الجريد على القبر حيث اجتمع فيه فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عدم وجود نهي صريح منه، وانضم إليه فعل صحابي على وفقه، ولم يُنقل عن أحد من الصحابة نهي عنه، وعلى مشروعيته نصوص جمع من علماء المذاهب الأربعة، ومع ذلك عَدَّه بعض العلماء غير مشروع، وبعضهم صرح بكونه بدعة؛ لكون عمل السلف لم يجر عليه، وهذا أصح. ولكن لماذا لم تُجر القاعدة ويُسحب الحكم على ما هو أولى من هذا: دعاء الختم الذي لم يثبت به أثر عنه ولا قول ول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tounisia.ahlamountada.com
 
ضابط البدعة وما تدخله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نكهه تونسيه :: المنتدى الإسلامي :: أحكام الدين-
انتقل الى: